المشاركة السياسية وأهميتها

0

جريدة النشرة : أبوالمجد عبدالجليل

كثر الحديث حول المشاركة السياسية في عالمنا العربي بعد ما سمي بالربيع العربي، وما نتج عنه من ضياع وفوضى ودمار. فماذا تعني المشاركة السياسية؟ وما موقف القانون الدولي منها من حيث كونها حقا من حقوق الإنسان؟ وما أهميتها؟ وكيف يمكن تحقيق مشاركة سياسية فاعلة؟

في البداية يتعين الإشارة إلى أن المشاركة السياسية كمصطلح أكاديمي تعنيأي عمل تطوعي من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة، وإدارة الشؤون العامة، أو اختيار القادة السياسيين على المستوى المحلي أو الوطني“.

 والمشاركة حق وواجب في آن واحد ، فهي حق لكل فرد من أفراد المجتمع وواجب والتزام عليه في نفس الوقت، فمن حق كل مواطن أن يشارك في مناقشة القضايا التي تهمه وأن ينتخب من يمثله في المجالس الجماعية والبرلمان وأن يرشح نفسه، إذا ارتأى في نفسه القدرة على تدبير الشأن العام والتعبير عن طموحات المواطنين.

فالمشاركة هي الوضع السليم للديمقراطية. فلا ديمقراطية بغير مشاركة، كما أن المشاركة واجب على كل مواطن، فهو مطالب بأن يؤدي ما عليه من التزامات ومسؤوليات اجتماعية تجاه قضايا مجتمعه لإحداث التغيير اللازم نحو التوجه التنموي في المجتمع.

 كما أن المشاركة هدف ووسيلة في آن واحد. فهي هدف لأن الحياة الديمقراطية السليمة تقتضي مشاركة المواطنين في المسؤولية الاجتماعية، مما يعني تغيير سلوكيات وثقافات المواطنين في اتجاه الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، كما أنها وسيلة لتمكين المواطنين من لعب دور محوري في النهوض بالمجتمع نحو الرقي والرفاهية والمساهمة في دفع عجلة التنمية.

وجاء الحق في المشاركة السياسية في العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب، حيث أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 على الحق في المشاركة السياسية في المادتين 20 و21لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما. ولكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، كما لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده.

وتأتي أهمية المشاركة السياسية في كونها تعطي للمشاركين من المواطنين فرصا متكافئة لكي يقرروا لأنفسهم مواجهة حل مشكلاتهم ، كما يعطي للمواطنين الحق في صياغة شكل ونوع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يحبون الحياة تحت ظلها ، وهذا يتطلب تحديد الأهداف العامة المتصلة بحياتهم المشتركة في مجتمع معين.

وهناك شبه إجماع في الكتابات التي تناولت مفهوم المشاركة السياسية على أن عنصر الانتخاب هو أهم مظاهرها في النظم الديمقراطية، بل الانتخابات هي عرس الديمقراطية، فحتى يشارك الشعب في السلطة عليه أن يختار ممثليه، وهذا يتم عن طريق الانتخابات، التي تختلف نظمها وأنواعها من مجتمع لآخر، ولكنها تتفق جميعا أن الصوت الذي يدلي به المواطن في الانتخابات هو النصيب الفردي للمواطن في المشاركة السياسية، وأن مجموع الأصوات والتي تشكل الأغلبية هي تعبير عن إرادة الأمة.

ورغم كل محاسن المشاركة السياسية، إلا أنها في الواقع في العالم العربي تعرف أزمة ترتبط بالثقافة السائدة في المجتمعات وبالتخلف السياسي، حيث أن المواطنين لا يتابعون البرامج المطروحة ولا يدركون الفوارق الحقيقية بين المرشحين ويقفون من العملية الانتخابية موقف المتفرج كأنها لا تعنيهم، لشعور عدد منهم باستياء، ولد لديهم اللامبالاة  وفقدان الأمل في التغيير، وهو باب خطير من شأنه تبني بعض الشباب للأفكار المتشددة والطروحات العدمية.

وهكذا عندما يفقد المواطن حقوقه القانونية المكفولة له بموجب الدستور، أو تعتدي الدولة أو من يمثلها على كرامته كمواطن، وعندما تعجز قوانين ونظم الدولة التي تجسد مفهوم الوطن في الوفاء باحتياجاته الحياتية، من رعاية صحية، وخدمات تعليمية، وتأمين اجتماعي، وأمن وعدالة، أو يشعرالمواطنأن رأيه لا يقدم ولا يؤخر من شيء ، وأن صوته الانتخابي مهدر، عندها، تنفصم خيوط الانتماء وتهتز أسوار المواطنة ويخفت بريق الوطنية. 

ولتجاوز الوضع الحالي وزرع الثقة في المؤسسات وبعث الأمل في النفوس، المطلوب اليوم قبل غد:

تفعيل مؤسسات المجتمع المدني؛

تعميق الممارسة الديمقراطية عن طريق احترام رأي المواطنين ومشاركتهم أكثر في صنع القرارات؛

تفعيل دور وسائل الإعلام وإتاحة الفرصة للتيارات الفكرية والسياسية المختلفة للتعبير عن آرائها وأفكارها، بغية ترويج الثقافة السياسية وتطويرها؛

العناية بالتنشئة السياسية وجعلها عملية دائمة ومستمرة، تعمل على تعميق الإحساس بالمسؤولية نحو المجتمع والولاء للوطن وخدمته.

ونختم بمقولة لفيلسوف الأمل ارنست بلوخ  Ernst Bloch  (1855-1977) جاء فيها: “الغد يحيا في اليوم، والناس تتطلع إليه على الدوام“.

.

Leave A Reply

Your email address will not be published.