المهرجان الدولي للسينما والثقافة العربية بجمهورية مصر يعتزم تكريم بعض المبدعين المغاربة في دورته الثانية لسنة 2018
جريدة النشرة : د. سيد محمود فضيل أحمد – مصر –
في بادرة يمكن اعتبارها سابقة على الصعيد العربي ، يعتزم القيمون على المهرجان الدولي للسينما والثقافة العربية الذي سيقام بجمهورية مصر العربية في دورته الثانية يوم 21 أغسطس المقبل (سنة 2018 ) وبعد النجاح الباهر الذي امتازت به النسخة الأولى من المهرجان ، تكريم عدد من الوجوه المغربية التي ارتأوا بأنها تستحق الإشادة والإحتفاء تبعا لما تزخر به مسيراتهم الإبداعية والجادة في خدمة القضية العربية وللإنسانية وذلك في عدد من المجالات التي يركز عليها القيمون على المهرجان ، ليتم انتقاء الشخصيات المغربية التالية : المرحوم العربي بطما ، والسيدة سميرة العشيري ثم دكتور عبد اللطيف سيفيا ،ضمن لائحة المحتفى بهم في حفل التكريم هذا ، كشيء من الاعتراف الرمزي بمساهمتهم في خدمة الشعوب والارتقاء بها ، وعربونا للاعتراف عطاءاتهم المميزة وعاملا للتحفيز والإنصاف.
ولد الفنان الغنائي والمسرحي المغربي والأديب محمد بطما الذي لقبه الكثيرون “وحش الشعراء”، في 14 أبريل من سنة 1951، من أسرة بسيطة بمشروع ولاد عبو في نواحي مدينة سطات، بقرية أولاد بوزيري بمنطقة الشاوية المغربية، المحاذية لمدينة الدار البيضاء وعلى مقربة من واد أم الربيع، وهو المكان الذي كان له مأوىً وملاذا كلما ضاقت به دروب المدينة، وكلما أحس بعبء الحياة وبرغبة شديدة في العطاء وقد تعددت مواهبه بين الموسيقى والمسرح والكتابة، ويعتبر أحد رموز الموسيقى التراثية المغربية، وأخا للعربي بطما أحد مؤسسي فرقة ناس الغيوان وأحد نجومها البارزين.
و يبقى محمد بطما شخصية فنية متميّزة في تاريخ المشهد الفني المغاربي، كتب في الأمل والبؤس والبادية والمدينة وغنى للجراح والإنتكاسة والأوضاع العربية والعالمية، صوته وألحانه السريالية تجعله فنانا متميزا، بلبلا غرد الفنّ على غصن الخشبة. ساهم بشكل كبير في نفض غبار الإهمال الذي طال التراث المغربي وأعاده إلى قيمة القيم،ساهم بشكل كبير رفقة أخيه الأسطورة العربي بطما والعديد من الشخصيات في إعادة صياغة التراث المغربي إلى الجمهور والشعبية، وإخراحه خارج الحدود وإلى العالمية. طوال سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، كان أحد الشخصيات المحورية في العديد من المجموعات الغنائية الثورية المغربية حيث كان يشير في منظوماته وأغانيه إلى المتناقضات التي كان يعيشها الحي الذي كان يسكنه منذ نعومة أظافره وهو الحي المحمدي ذو الثقافة الشعبية المنغرسة في ثقافة مدينة الدار البيضاء معقل المقاومة والثورة العارمة في وجه المستعمر التي بقيت ثقافتها متجذرة في عمق ساكنة العاصمة الاقتصادية عامة والحي المحمدي على الخصوص بحيث كان واحدا من هذه العناصر الشعبية التي تعبر عما يخالجها بسبب الأوضاع المزرية التي كانت تتخبط فيها متخذا من نفسه لسانا ناطقا باسم كل الشرائح التي تعاني التهميش.
محمد باطما تعددت مواهبه بين الموسيقى والمسرح والسينما والكتابة بشكل زاخر وفريد، جعله يحظى بإعجاب وتقدير كبيرين، ليس فقط من طرف الجمهور المغربي بل ومن طرف الجمهور العربي أيضا.
لقد انخرط بطما مبكرا في الفعل الفني والثقافي، وشارك في التمثيل والإنشاد والكتابة المسرحية والزجلية، كحوض النعناع، وفي مسرحيات مستوحاة من نصوص تراثية، ومن فن الملحون، وكناوة، والشعبي البدوي. فهو يعتبر مغرد الظاهرة التراثية في السبعينيات، التي شكلت النواة الأولى لانتشار لون موسيقي جديد في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وقد ساهم بشكل كبير في نفض غبار الإهمال الذي طال التراث الموسيقي المغربي طوال عدة عقود وأبدع في التعامل معه لحنا وميزانا.
محمد بطما الرجل المترعرع بالحي المحمدي ذو ثقافة بيضاوية وما تحمله من تناقضات، هو ذلك الطفل القادم بجذوره البدوية، الذي ظل يحمل شيئا منها في اللاّوعي ومحيطه العائلي، رحيلا بين المدينة والقرية منذ أيام الصبا، وما اكتسبه من محيطه الثقافي، الكثير من أشعار الزّجل والحكي التراثي، وما تحمله في طيّاتها من حكم شعبية وتراثية قديمة أعاد صقلها وتلميعها لتأخذ مكانتها في العصر الحالي وتقول كلمتها التي لا تفتر أو تنضب والمليئة بالحكم والتوجيهات الوجيهة.
كان الراحل قارئا وباحثا وكاتبا وملحنا، فما أن ينتهي من الكتابة حتى يبدأ في تلحين قطعة موسيقية “يحس بنوع من المتعة وهو في خلوة تجمع بين الكتابة والفن”.
ولا يمكن إلا أن نقول بأن أعمال الراحل محمد باطما قد كانت ولازالت إلى يومنا هذا مصدر إلهام حقيقي للعديد من الكتاب والمخرجين والفنانين
وهكذا فإن الفقيد محمد باطما يعتبر أحد الأشخاص الذين تركوا بصمتهم الراقية والمتميزة في الثقافة العربية بامتياز، لكن حسب نظري ، لم يتم إنصاف هذا الرجل العظيم لغاية يومنا هذا بما يستحقه من عناية واهتمام وتكريم لشخصه الذي أبدع وفارقنا إلى العالم الأخروي تاركا لنا زادا ثقافيا وكنزا إنسانيا زاخرا بالقيم والمواقف الإنسانية واضحة المعالم.
ليتدارك الأمر أخيرا ثلثة من الفنانين والمثقفين والإعلاميين بالشقيقة مصر راعية الثقافة والفن على مر العصور ، الذين أبوا إلا أن يدرجوا اسم الراحل محمد بطما ضمن لا ئحة المكرمين العرب الذين بذلوا مجهودات كبيرة وقاموا بأعمال جليلة لخدمة ميادين الثقافة والفن والمسرح والسينما للرفع من مستواها وصقل أذهان الشعوب العربية ومحاولة الارتقاء بعقلياتهم ودفعها نحو الانفتاح على مختلف الثقافات الأخرى والعمل أيضا على الارتقاء بالمكونات الثقافية العربية حتى تكون في مستوى إقبال الثقافات الأجنبية عليها والاحتداء بها
كما أن المهرجان الدولي للسينما والثقافة العربية في الدورة الثانية سنة 2018 ارتأى أن يكرم بعض الوجوه المغربية الأخرى التي أبانت عن استحقاقها للتكريم لما قدمته من خدمات جليلة في العديد من الميادين كالسيدة سميرة العشيري التي تعنى بالجالية المغربية المقيمة بمصر كرئيسة لجمعية الجالية هناك نظرا لما تسديه من أعمال جليلة في المجال الجمعوي والاجتماعي والفني والثقافي.
كما تم أيضا اختيار الإعلامي والشاعر والباحث المغربي الكبير دكتور عبد اللطيف سيفيا بن المصطفى لتكريمه والاحتفاء به كقلم قومي جاد ونزيه ومنفتح على قضايا العالم العربي والدولي بكل حياد ومسؤولية وإسهامه في العملية الإبداعية الثقافية والفنية والتربوية وغيرها بامتياز ليرسم لنفسه طريقا ناذرا في النقد والتحليل الموضوعي للأحداث والمواقف الاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها والتي يبدع في إسقاط أسبابها ومسبباتها وانعكاساتها على الواقع المعيش والتنظير بمواقف استشرافية غالبا ما تصيب الهدف . كما يجتهد في طرح حلول مناسبة للعديد من الظاهرات والمشاكل والتي يبدع في توضيحها وإيصالها للعامة والخاصة ، بالإضافة إلى ما يقدمه من توجيهات وجيهة كثيرا ما أصاب الهدف فيها.وله بحوث ودراسات في علوم لتربية وآفاقها بالإضافة إلى مؤلفات وكتابات في التسامع العقائدي والدعوة إلى السلم العالمي بين المجتمعات والأنظمة ، وقصائد شعرية رائعة تصور الواقع العربي والعالمي في لوحات متناسقة الألوان واضحة المعالم ، كثيرا ما تحمل الحكم والأمثال وعبارات التأنيب والتوجيه.
وهكذا فلازالت لائحة التكريمات التي يقدم عليها المهرجان الدولي للسينما والثقافة العربية مفتوحة في وجه العديد ممن أبدعوا في إغناء الساحة العربية والدولية بواسطة أعمالهم الجادة التي ساهمت في رفعة وسمو الفكر والثقافة والسينما والفن بصفة عامة، لتكون هذه البادرة عبارة عن فرصة تحفيزية لكل المبدعين العرب يأخذها المهرجان الدولي للسينما وللثقافة العربية على عاتقه كأسوة حسنة ينصف فيها هؤلاء المبدعين ويرد الاعتبار من خلالها للعديد منهم وتحسيسهم بأهميتهم في المجتمع العربي على لسان هذه المؤسسة الخدومة والراقية.