المفارقة العجيبة في إصدار الأحكام واستغلال النفوذ وفي عقليات مسؤولي المغرب والغرب

0

جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا

بقية الحديث…أنصف القضاء الجالس الأمريكي بسولانو كاونتي شرق سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية مواطنا أمريكيا من البشرة المغايرة والذي كان يعمل كبستاني بالمؤسسات التعليمية التابعة لمديرية التعليم ببينيشا والذي كان يستعمل في معالجة النباتات من الطفيليات مادة من تصنيع شركة نونسانتو الأمريكية التي اشترتها مؤخرا شركة بايير الدولية الشهيرة المختصة في صناعة الأدوية والمنتجات الزراعية ، بحيث استطاعت هيئة الدفاع إثبات علاقة هذا المنتوج بنوع السرطان الذي أصيب به المواطن الأمريكي والذي حددت الخبرة الطبية بأن حظه في الحياة لن يتجاوز سنة 2020 على أبعد حد ، مما اضطر القضاة إلى التسريع بقضيته التي من المفترض أن تأخذ على شكل مثيلاتها دراسة للملف تتطلب ما بين 8 إلى 10 سنوات لينطق بالحكم فيها كما جرت العادة في الملفات المستعصية التي تتطلب دراسة وخبرة ودقة كبيرة لا تترك مجالا للريبة أو الشك.
وهكذا فقد قضت المحكمة لصالح المواطن الأمريكي المتضرر خلال شهرين فقط من رفع الدعوى بتعويض خيالي وصل إلى ما قدره 289 مليار سنتيم ، حتى يتمكن المتضرر من الاستمتاع بهذه الثروة قبل أن يوافيه الأجل.
وهكذا نلاحظ العناية التي يوليها القضاء الأمريكي لمواطني هذا البلد الديمقراطي الذي يكرم شعبه ويرفع من قدرهم مما يخلق علاقة ود واحترام متبادل بين الوطن والمواطنين ويغرس في هؤلاء محبة وطنهم وأسسه ومقوماته و يجعلهم يدافعون عنها بالغالي والنفيس ويخدمونه بكل ما أوتوا من عزم وقوة بعيدا عن الخدلان والكراهية.
عكس ما نجده لدينا في العديد من الحالات التي يكون فيها الظلم والاستبداد والمحسوبية سيد الموقف حين يتعلق بوقوف المواطن البسيط أمام المحاكم فيطغى جبروت المال والمنصب و…لينزل على هؤلاء المقهورين كجلمود صخر حطه السيل من عل،ليستصغر هؤلاء ويهضم حقوقهم التي يضمنها لهم الدستور والقانون حبرا على ورق وبلا جدوى أو فائدة ، بعيدا عن المراقبة والمحاسبة،مثلما حدث في قضية شركة بليساسفة احترق عمالها وعاملاتها أثناء اندلاع النيران بمرافقها التي لم تتح الفرصة لهؤلاء الضحايا من الإفلات من الحريق القوي الذي شب فيها كما تشب نيران جهنم في الحجر و أجساد البشر ، بالإضافة إلى عدد من العمال والعاملات الذين أصيبوا بعاهات وإصابات جسدية ونفسية لن تفارهم مدى الحياة…
لينطق الحكم لصالح حوالي 12 من الأشخاص الذين التهمتهم النار ، بدريهمات معدودة ليكون بذلك التعويض ازدرائيا عكس ما حكمت به المحكمة الأمريكية من تعويض قيمي يرفع من قيمة المواطن ويجعله يحس بالاعتزاز بانتمائه لوطنه الأمريكي العظيم .
كما يمكن اتخاذ عدة أوجه لمقارنة عدة مواقف توضح جليا الخروقات والتباين الكبير بين ما يحدث لدينا من أحكام قضائية تجعلنا نشك فيما يتشدق به في بلادنا من استقلالية للقضاء المغربي وعقد المواطنين ، وخاصة البسطاء منهم ، الآمال الكبيرة عليه في إنصافهم والحد من جبروت الظالمين من أصحاب النفوذ والمناصب والمالوتسلطهم على المستصغرين.
لكننا نصادف أحيانا حالات قد تصيبنا بالإغماء والقيء بسبب ما تفوح به من روائح الظلم وعدم الإنصاف للمواطن البسيط الذي يجد نفسها لازال يقبع داخل دوامة القهر والاستبداد .
ومن بين الحالات التي يمكن سردها على سبيل المثال لا الحصر ، المجرى الذي سارت فيه قضية المواطن الذي دهسته بمراكش سيارة أحد اللاعبين المغاربة المرموقين لترديه قتيلا وحددت المخالفة مناصفة في كون الفقيد لم يستعمل ممر الراجلين ، وتحديد مخالفة السائق في تجاوزه للسرعة القانونية. ليترك حال سبيل الأخير ، ويعوض الهالك بدريهمات لا تسمن أو تغني من جوع ، حين نقارنها بما كان يحصل عليه الأخير أثناء مزاولته لمهنته كحارس أمن خصوصي قد يتقاضى في أضعف الإيمان ما قدره 2500 درهم شهريا ويعول عائلته المتعددة الأفراد، لحوالي 25 سنة المتبقية له على التقاعد ، لتعطي حصيلة تفوق 85 مليون سنتيم…ناهيك عما سيتوصل به أثناء التقاعد …إلى غير ذلك …فما هذه المفارقة العجيبة في التعويضات؟؟؟
وماذا يمكن ان نقول في قضية الشاب الذي تسبب في قتل زوجة الفقيد مجيد بحيث لازال قابعا وراء القضبان مجهول المصير ؟
ثم ما عسانا ان نقول في قضية ابنة مسؤول من الطراز الرفيع والتي تسببت في حادثة سير في الشارع العمومي بالعاصمة الرباط وهي تسوق سيارة تابعة للإدارة العمومية التي يعتبر والدها رئيسا لجهتها ، والخطير في الأمر ان الشابة لا تمتلك رخصة سياقة مما يجعلها في حالة مخالفة قانونية يعاقب عليها القانون…ومع ذلك يبدو أنها طليقة حرة
في حين أن وزيرا دنماركيا قدم استقالته لمجرد ان كاميرا المراقبة التقطت صورة لابنته وهي تسوق دراجة بدون واق ”خودة ” فقال : ”أستقيل لأتفرغ لتربية ابنتي من جديد”
فما هذه المفارقة العجيبة في إصدار الأحكام وفي عقليات المسؤولين والتحلي بالمسؤولية وفي ربط المسؤولية بالمحاسبة التي يقوم بها الضمير قبل أن يقوم بها أي جهاز مختص؟؟؟ !!! ……عجبي …وللحديث بقية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.