من الفساد الأصغر إلى الفساد الأكبر “البلاد الله يرحمها وعلى الملك أن يتدخل سريعا”
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
فلا يمكن للعقل أن يتقبل الوضع المزري الذي تتخبط فيه البلاد ، فالفساد لا يكاد يغيب عن أي مكان أو مجال ، بحيث سنسرد بعض الأمثلة على ذلك على سبيل التوضيح والتقريب والضبط لا الحصر ،مثلما عرت عليه بعض الظواهر الطبيعية الأخيرة التي فضحت ضعف البنيات التحتية بالبلاد والتي صرفت من اجل توفيرها الأموال الطائلة والطاقات البشرية الهائلة لكن دون جدوى بحيث اتضح بأنها لم تكن إلا عبارة عن مساحيق وطلاءات تستعمل لدر الرماد على العيون ، أو ما يصطلح عليه بالدارجة المغربية ((لعكر على لخنونة ”لتصبح المدن والقرى عبارة عن برك مائية وأزقتها وشوارعها بمثابة سيول مائية جارفة تأتي على البشر والشجر والحجر والحيوان ، وتهدد جميع أوجه الحياة لتخلق في نفوس المواطنين نوعا من الرهبة والخوف والتدمر وعدم الإحساس بالأمان .هذا المشكل الذي أدى إلى خلق ارتباك في وسائل النقل بسبب الطرق التي لم تعد صالحة للاستعمال ، بل اصبحت تهدد سلامة مستعمليها ، إلى جانب ارتفاع الأسعار المتحررة للمحروقات التي بدورها كانت لها تأثيرات سلبية على أسعار منتوجات أخرى كثيرة ومتنوعة ومن بينها الأساسية كالخضر والفواكه والمواد الغذائية التي عرفت في الآونة الأخيرة تصاعدا قياسيا …كل هذا بعثر الأوراق لدى المواطنين وجعلهم يعيشون على صفيح ساخن ، يكتوون بنار متعددة المصادر والألوان ، فلا يجدون ضالتهم في ميدان الصحة المنخور عن آخرة والذي يموت العديد من المواطنين بسبب عدم جاهزيته ، لدرجة أن الأطر العاملة به اشتد بها التدمر يوما بعد يوم ليصلوا إلى حالة اليأس الذي انتهى بهم إلى تقديم استقالات جماعية فاقت المائة عنصر من أطباء القطاع العام هذه الأيام .
ولا ميدان التربية والتعليم الذي يسير ب”القمونة” نحو الهاوية منذ سنين ليهترئ ويصبح مجالا للتجارب الفاشلة التي جعلت أبناءنا المتمدرسين يقع لهم ما وقع للغراب حين تعذر عليه تقليد مشية الحمامة ،وحين قرر العودة إلى مشيته الأصلية نسيها ولم يعد يذكرها ، فلا هو بمشيته ولا هو بمشية الحمامة ليقعد محسورا.الأمر الذي دفع بأفواج من صناديد التربية والتعليم وأصحاب الباع الطويل في هذه المهنة الشريفة التي كانت عبارة عن فن تربوي يؤدى بإتقان، وإبداع يمارسان بواقعية علمية فذة ، ليقرروا الانسحاب من المهزلة التي كانت تفرضها عليهم الوزارة الوصية .ومما زاد الطين بلة أن هذه الوزارة الموقرة قد اتخذت في هذا الميدان الحساس بدعا أرادت من ورائها باطلا ، حينما فرضت على الخلف الجديد من الشباب الشغوف بهذه المسؤولية أن يعملوا لديها بواسطة التعاقد تحت شروط لا تليق لأن تستعمل مع هذه الشريحة الهامة والأساسية من المجتمع التي سيصبح مصير فلذات أكبادنا ورجال الغد ومصير البلاد بين أيديها …
أما عن ميدان التشغيل فحدث ولا حرج ، بحيث لازالت الحكومة لم تجد حلا جادا لامتصاص ظاهرة البطالة التي أصبحت تفرض نفسها على الدولة، التي ستجد نفسها بين نوعين من المعطلين، الحرفيين والمثقفين، على اختلاف تكويناتهم ودرجاتهم،و الذين قضوا سنوات طوالا في الدراسة والتكوين ليجدوا أنفسهم عرضة للضياع واليأس.
ناهيك عن مجموعة كبيرة وكاسحة من الشباب الذي لم يسعفه الحظ والظروف لاستكمال مسيرته الدراسية ، ليجد نفسه في الشارع دون أمل يرجى في منظومة التشغيل التي لازالت تبحث عن نفسها ، ليلتجئ بعضهم إلى تقنيع بطالته بما يحفظ ماء وجهه ويبعده عن الشبهات ليستثمر بعض الدريهمات ، إن وجد من يسنده، كي يمارس التجارة على الرصيف وفي الطرقات والشوارع والأزقة وأمام المساجد والملاعب وما إلى ذلك ليسد رمق عائلته ولا يمد يديه لغيره يطلب منه الصدقة.
والأمثلة كثيرة ومتنوعة في مظاهر الفساد الذي يستشري في البلاد والتي تدخل العديد من الأسباب في خلقها وتكريسها على المواطن والمجتمع بشتى الوسائل والطرق المستهدفة.
وهكذا نجد أن بعض الأحداث السياسية الداخلية الوطنية ،القريبة والبعيدة ،التي شنجت العلاقات بين الهيآت السياسية والنقابية وغيرها والتي سحبت بساط الثقة والمصداقية من تحت أقدامها على إثر القرارات الارتجالية التي تتخذها ،والتي عوض أن تساهم في حل المشاكل المطروحة ، فقد زادت من حدتها ليطفح الكيل وتتوالى الأزمات والمشاكل التي جعلت الشارع المغربي يعيش حالة من الجلبة والغليان يعبر عنها في شكل وقفات احتجاجية متعددة ومسيرات كبيرة تستنكر الوضع القائم الذي استعصى على المسؤولين على اختلاف درجاتهم وألوانهم ومسؤولياتهم إيجاد حلول مناسبة جدية ،جذرية وإيجابيه له .
لهذا فإن المواطنين لم يجدوا بدا من عقد آمالهم الأخيرة على تدخل ملكي سريع لإنقاد ما يمكن إنقاده قبل أن يستفحل الوضع ونقعد على تهاوننا وتقاعسنا نادمين…وللحديث بقية.