من الفساد الأصغر إلى الفساد الأكبر “يَسْأَلُونَك عَنِ السَّاعَة” وما خفي كان أعظم…

0

جريدة النشرة : د . عبد اللطيف سيفيا

بقية الحديث…لا يغيب عن ذهن عاقل ما حل بالمغاربة عبر تعاقب الحكومات من أزمات متعددة الأصول والفصول ونكبات متتابعة الشجون ، الواحدة تلو الأخرى،عملت كلها على سوق المواطنين نحو الهاوية وفقد الثقة في المسؤولين ،بعد أن خرج هؤلاء مرات ومرات ، ويا ليتهم لم يخرجوا بشطحات لا تمت للمسؤولية بصلة ولم تعرفها الإنسانية إلا في عهد الجاهلية التي كان يستعبد فيها القوي الضعيف ويمارس عليه جميع طقوس الاستعلاء والاحتقار والظلم والاستبداد والشطط في تكريس المصلحة الخاصة ، دون إعطاء إي اعتبار للأطراف الأخرى المكونة للمجتمع المغربي ، وخاصة الطبقة المغلوبة على امرها.
الأمر الذي جعل المواطنين يحسون بالظلم والغبن والحكرة لدرجة أنهم باتوا يظنون أنهم أصبحوا مستعبدين وليسوا بمواطنين ، تتقاذفهم التيارات والإيديولوجيات ، وتتلاعب بمصيرهم حفنة من الباحثين عن المصلحة الخاصة والراغبين في استنزاف خيرات البلاد وثرواتها ورشف عرق مواطنيها هؤلاء المواطنون الذين يعقدون أملا كبيرا على هذه الثروات الكثيرة والمتنوعة التي تزخر بها أرض الأجداد الطيبة والمعطاء.
لقد أصبح الشعب المغربي مذهولا أمام صبره المعتاد ونفسه الطويل المنقطع النظير في مواجهة النكبات والمصائب التي يتسبب له فيها بنو جلدته ممن ائتمنهم على البلاد والعباد ، ليعاني منهم الويلات في كل الأماكن والجهات والميادين والأوقات.
فلا يعقل أن نستثني مجالا أو خدمة يضمنها دستور البلاد وينص عليها القانون من دائرة الفساد ألا وتجده ملطخا بوحله الداكن ومنغمسا فيه إلى الأذنين .فالصحة تعاني من قلة الصحة رغم ما صرف عنها كبنيات أصبحت كالأطلال يتفقدها المواطن لاسترجاع الذكريات والحسرة على ما فات، أو كالضريح الذي يحج الناس إليه للتبرك منه والمسح على أرجائه والموت في عقره بقدرة قاد ، أو المكوث أمام أبوابه الموصدة في انتظار المصير المحتوم… والعدل لم يعتدل بعد وتبخر أمل الناس في تحقيق العدالة بعد أن رحبوا باستقلاليته ليرد الاعتبار للمظلوم وإنصاف كل ذي حق مهضوم…والتربية والتعليم يفتقدان لأدنى مقومات المنظومة ومكوناتها التي أصبحت بمثابة مركب آهل ببني البشر تمخر بهم أعماق البحار بلا مجاديف أو بوصلة …والاقتصاد الذي لم نعد ندري إن كان في صعود أم انه يهوي، بحيث أنه أصبح لعبة غامضة في أيدي كمشة ذباب تصول وتجول كيفما شاءت وكأنها في دار أبيها ،والبقية مصيرهم الاستعباد …ويسأل ملك البلاد عن الثروة ، قل هي في علم رب العباد…الخيرات كثيرة في البلاد لكننا ”ما شفنا ما رأينا غير اغتناء مسؤولينا”…والحديث كثير لكن السكوت أحسن من اللقوة.فكما يقول المثل المغربي ”اللي جا يحقق يحماق”…
إنها حقا لمتاهة مظلمة يعيش في أجمتها المواطن المغربي المغلوب على أمره والمجرد من أبسط حقوق العيش الكريم ، والذي يعيش بين أنياب ويلات الجوع والفقر والبؤس والحرمان والعذاب المكتوب عليه بمداد القهر والسيطرة والقدر الشؤوم الذي جعله يندم على اليوم الذي ولد بهذا الوطن ، في الوقت الذي كان يحبه ويهواه ويتغزل به ويذكر نعمه عليه عد النجوم وحبات الرمل.
لينقلب كل شيء رأسا على عقب حين تنبه إلى وضعه الحقيقي في هذا الوطن العزيز الذي ساقت جماعة من المسؤولين شعبه كما تساق الأغنام أو الإبل نحو المرعى ثم بعدها إلى المجزرة …
والنتيجة أن الشعب انتفض ،ولكن هذه المرة وبعد انتفاضة الكبار الذين كانوا ولازالوا دائما يضعون نصب أعينهم علاوة الوطن وإيثار المصلحة العامة ولو كانت بهم خصاصة.إلا أن ثورة الصغار جاءت بما لم يكن في الحسبان ، بحيث أن المظاهرات والمسيرات التي أتى عليها التلاميذ والطلبة بسبب الساعة الإضافية والتي أبدت الحكومة تعنتها وتشبثها باتباعها على الدوام، أخرجت هؤلاء الأطفال ، ولأول مرة في تاريخ الإنسانية ،يحدث هذا الحدث التاريخي بخصوص قيام الأطفال بوقفات ومسيرات احتجاجية مطالبين بحقوقهم، فإن نتيجة ذلك أتت وخيمة وضاربة في العمق ، بحيث تجرأ بعض الأطفال على الدوس على رمز الوطن وحرقة والتمثيل به ، مما ينذر بأعمال شؤم قد تلي هذا التصرف الشنيء والذي قد تفوقه بشاعة وقساوة لا يمكن أن نقبلها كمواطنين أحرار ننتمي لهذا البلد العزيز …
لهذا فيمكن أن نعزي ثورة الأطفال هذه إلى وجود غضب أسري وعائلي ومجتمعي عبر فيه هؤلاء الأطفال بكل براءة دون أن يكترثوا لأبعادها بسبب الغضب الجامح الذي يعمي الأبصار.
فكما يقول المثل المغربي”حتى قط ما تيهرب من دار لعرس” بمعنى أن هذا الغضب لم يأت من عدم ، وإنما لابد وأن هناك أسبابا قوية وقاهرة ، دفعت بهؤلاء الأطفال ”رجال الغد” إلى التعامل مع العلم الوطني بهذه الطريقة غير المقبولة المليئة بالحقد، والتي غالبا ،بل أكيد أنها لا تعني حقدهم على الوطن ، وإنما هو حقد على من أوصلهم إلى درجة الغليان والثورة العارمة بطريقتهم الخاصة “ويسألونك عن الساعة”… وما خفي كان أعظم…
فحذار ثم حذار من اللعب بالنار، أيها المسؤولون الفاشلون، فعودوا إلى صوابكم قبل فوات الأوان ، فإن سألوكم عن الساعة ، فإنها تخفي وراءها كل أمر عظيم، ولم تكن الزيادة في عقاربها إلا قطرة أفاضت الكأس.
وقد كان خطاب الملك المتكرر في مناسبات عديدة ومتكررة مباشرا ،نبه وأنذر من خلاله كل مسؤول من التلاعب بمصلحة البلاد والعباد ، ولكن لا حياة لمن ينادي…
هلموا إلى مغفرة من الله والوطن والملك والشعب ،قبل أن تقعدوا ملومين محسورين. وكونوا على استعداد تام لتحمل مسؤولياتكم ، فقد تبين الرشد من الغي …وللحديث بقية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.