من الفساد الأصغر إلى الفساد الأكبر”من الحب ما قتل و من التعنت ما قد يتسبب في إسقاط حكومة بكاملها”

0

جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا

إن قيل أنه من الحب ما قتل ، فيمكن أن نقول أيضا أن من التعنت ما قد يتسبب في إسقاط حكومة بكاملها
نعم ، هذا ما يبدو للعيان وينتظر حدوثه عما قريب ، وذلك لما ذهبت إليه الأوضاع في البلاد التي أصبحت وكأنها على صفيح ساخن بسبب حب الاستحواد على المناصب ،هذا الحب الذي عوض أن يصب في حب الخير للبلاد والعباد ليدوم ويتصل ،فإنه يبدو بأنه أخد منعطفا بعيدا عن ذلك في اتجاه رعاية المصلحة الخاصة ورفع شعار”من بعدي الطوفان” بالإضافة إلى تعنت الحكومة والمسؤولين في تسيير الشأن العام المحلي والوطني ، الأمر الذي أدى إلى خلق أزمات خانقة من جراء انقطاع حبل التواصل بين الحكومة والشعب ، اللذين وصلا إلى مفترق الطرق ليأخذ كل واحد منهما طريقا مغايرا للآخر ومخالفا تمام الاختلاف في الأهداف والمرامي، الأمر الذي جعل البلاد تسير ربما في اتجاهين معاكسين وبسرعتين مختلفتين أو أكثر ، عكس ما نادى به قائد البلاد في أكثر من مناسبة حين حث على إلزامية اتباع البلاد في مسيرتها التنموية لسرعة واحدة ووحيدة
لكن للأسف الشديد ،أصبح المواطن تائها بين أجناس متعددة من الوثيرات التي تقطع نفسه والمناهج والطرق التي لم يعد يفقه في أمورها شيئا ، ليفقد التوازن تماما من كثرة اللكمات، المتتالية على أم رأسه من كل ناحية وصوب ،وشدتها التي لم تترك له الفرصة في التقاط أنفاسه المتقطعة أحيانا ، والمنقطعة أحيانا أخرى.
وهكذا فإن المواطن المغربي قد أصبح مفروضا عليه التعايش بالقسر والقهر ،شاء أم أبى ،مع الأوضاع القاسية والمزرية التي تتقاذفه كما تتقاذف الأمواج العاتية ،الغاضبة والجامحة مركبا خشبيا صغيرا ضاعت مجاذفه في عمق اليم ،وتاه بين جبال من المياه الثائرة والمستعصية التي خرجت عن طوع اللجام لتحجب عليه الرؤيا وتفقده التوازن والتركيز ، فلا هو يستطيع الانعراج يمنة أو يسرة،ولا هو يستطيع الاستقرار في مكانه أو ضمان سلامة نفسه وسلامة ذويه وممتلكاته.
فالبلاد أصبحت تعيش نوعا من الفوضى والتملص من المسؤولية والفساد المستشري فيها لدرجة لا يمكن تصورها أو حصرها في مجال أو ميدان معين.وعلى سبيل المثال لا الحصر و إذا ما أردت أن تقضي حاجة إدارية بها “جميع الإدارات والميادين والمجالات “كمواطن مثلا ، يجب عليك أن تلعب على توقيتين مختلفين ، تتبع إحدى إداراتنا الموقرة واحدا منهما كالتوقيت العادي ،وتترك للإدارات الأخرى التوقيت الثاني الذي هو التوقيت المستمر . هذا الأخير الذي قد تقصد إدارة ما تعمل تبعا لنظامه، لتجد موظفيها لازالوا لم يلتحقوا بمقرات عملهم ، لأسباب أو لأخرى !!! ولنفرض أنك وجدت الموظفين قد حلوا بها واستأنفوا عملهم ، فلن تمر إلا برهة ليتم افتقادهم بحجة او بأخرى!!! ليتمكنوا من تناول وجبة الفطور بإحدى المقاهي الخاصة المجاورة للمصلحة المعنية .ثم يطول الانتظار مرة أخرى ،وخاصة في فترة منتصف النهار عندما ينطلقون لتناول وجبة الغذاء التي تستغرق وقتا طويلا،و قد يعودون أو لا يعودون بعدها، لأسباب أو لأخرى مرة ثانية. وخاصة يوم الجمعة التي يتحول خلالها وبقدرة قادر،جميع الموظفين وغيرهم إلى مصلين حقيقيين ،يتأبطون الصغيرة ويقصدون المساجد لأداء صلاة الجمعة …والله أعلم!!!…وما خفي كان أعظم…وهكذا دواليك ،وتستمر المعاناة اليومية ،ويبقى المواطن معلقا بين الإدارات ، تاركا أشغاله وربما عمله الذي قد يتكرر الغياب عنه بسبب سوء التسيير والفوضى التي تستشري في إداراتنا العمومية وغيرها، ليدخل في مشاكل هو في غنى عنها ،مع رؤسائه نظرا لتأخراته وتغيباته عن العمل ، فقط لأنه كان يأمل في التزود بوثيقة أو قضاء حاجة يضمنها له الدستور كمواطن له الحق في الاستفادة من خدمات الإدارات التي أنشئت لخدمته ،ليصطدم بواقع مرير يزج به مرة أخرى في متاهة قد تسقطه فيما لا تحمد عقباه.أليس هذا بفساد إداري يقوم بعرقلة السير العادي للمؤسسات ولخبطة حياة المواطنين المغلوبين على أمرهم ويزيد من معاناتهم بلا هوادة؟
ومما زاد الطين بلة هو أن الحكومة لم يكفها الفيل الذي أثقل كاهل الشعب ، لتزيده فيلة …والقادم لا يعلمه إلا الله… ، على قول المثال الشعبي المغربي.بحيث فرضت على المواطنين والمؤسسات ساعة إضافية تنضاف إلى توقيت غرينيتش ، الأمر الذي قوبل برفض شرائح عديدة من المجتمع وخاصة الطبقة المتوسطة إلى جانب الطبقة المسحوقة ، التي لم تستسغ لهذا التغيير في الزمن الذي أبانوا عن تضررهم منه ماديا ومعنويا بحجة تزامن بعض منه مع فترات الظلام التي استغلها اللصوص في ممارسة نشاطهم الإجرامي على حساب المواطنين وأبنائهم وبناتهم الذين يتواجد مقر نشاطهم المهني أو الدراسي بعيدا عن مقر سكناهم ،بالإضافة إلى انعدام الإنارة العمومية والأمن في بعض الأماكن والطرقات والأحياء المهمشة ،وتصبح حياتهم وممتلكاتهم مهددة بسبب هذه الوضعية الخطيرة واللامسؤولة ، ليخرجوا أمام تعنت الحكومة وتشبثها برأيها وقرارها الذي كان وليد الصدفة ونهجها لسياسة اللامبالاة ،متبعة كعادتها لسياسة “كم حاجة قضيناها بتركها” ليفطن المواطنون إلى ذلك ويعبروا عن عدم رضاهم بسياسة الاستحمار المتخذة في حقهم ، مستنكرين ذلك في شكل مسيرات ومظاهرات احتجاجية على ما تقدم عليه الحكومة من قرارات تضر بالمصلحة العامة ،.؟؟ أليس هذا بفساد في التسيير وشطط في استعمال السلطة تنهجه الحكومة ويضر بمصلحة البلاد والعباد؟
فكل هذا لن يعبر إلا عن مدى ممارسة المسؤولين للفساد وعلى رأسهم حكومة الفراغ والعدم التي لم تعد تدري لا ماذا تقدم أو تؤخر ، لتقف متفرجة على ما يحدث في البلاد دون أن تحرك ساكنا ، لتتدارك الموقف وتحول دون استفحال الوضع ،خاصة وأن بلدنا العزيز مستهدف من قبل الأعداء والحساد والطامعين.
لهذا فلا يمكن اعتبار الفساد الإداري الذي تغرق فيه البلاد ،ويقوم بتقويد التسيير وتغيير معالم الديمقراطية التي يضمنها دستور البلاد تحت رعاية العاهل المغربي في تقديم الخدمات المشروعة والدستورية للمواطنين ،إلا ضربا لأوامر الملك واستهتارا بتطلعاته التي تصب في مصلحة الوطن والمواطنين التي تقابلها شرذمة من الفاسدين تعمل على إفشال مخطط التنمية وتتفنن في هضم حقوق الناس بشتى الطرق والوسائل يدفع إلى ما يمكن تسميته بالفساد الأصغر الذي إذا لم يتم إيقافه بكل عزم وقوة في الوقت المناسب ، فسيؤدي بنا إلى فساد أكبر يستفحل في جميع الأوساط، هذا إن كانت هناك بعض الأوساط والمجالات لا زالت لم تصب بعدوى الفساد، وذلك بعيد كل البعد ،لأن النار إذا تقوت واشتد لهيبها تأتي على اليابس والأخضر…وللحديث بقية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.