هل دعوة ترمب لنظيريه الروسي والصيني إلى توقيف سباق التسلح صادقة أم مناورة خادعة؟
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … من العجيب في الأمر أن يتقدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الاثنين 3 دجنبر الجاري إلى نظيريه الروسي والصيني بطلب إجراء محادثات بهدف وقف ما وصفه بأنه “سباق تسلح كبير وخارج عن السيطرة”
حينما كتب في تغريدةله : “الولايات المتحدة أنفقت 716 مليار دولار هذا العام (على السلاح). هذا جنون!”، مضيفاً: “أنا متأكد أنه في وقت ما في المستقبل، الرئيس شي (جينبينغ) وأنا إضافة إلى الرئيس الروسي (فلاديمير) بوتين، سنبدأ التحدث عن وقف جدي لما أصبح سباق تسلح كبيرا وخارجا عن السيطرة”.
لهذا فإن ما لا يختلف حوله الكثير من الساسة المسؤولين والمحللين السياسيين هو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب شخص لا يؤتمن فيه ، نظرا لجشعه الكبير ورغبته الجامحة في تحقيق أهدافه ومصالحه الخاصة به وببلده منذ توليه منصب رئاسة الولايات المتحدة وبحليفته إسرائيل التي يحاول أن يجعل منها قوة عظمى بالشرق لكبح جماح دول المنطقة وشل حركتها وإضعاف قوتها وعلى رأسها الدول العربية وإيران والصين وروسيا ، هذه الأخيرة التي تعتبر العدو التاريخي رقم واحد اللذوذ والذي تنتظر انفجار بركانه الخامد في أي وهلة وتخاف من انتفاضته في أي لحظة ليفاجئها بما لم يكن في الحسبان ، ناهيك عن منافسها الاقتصادي المارد المتمثل في دولة الصين الشعبية التي أصبحت إلى جانب اكتساحها للاسواق الدولية بشكل مريب ، تشكل بالنسبة للأمريكان قوة عظمى وكابوسا حقيقيا بإمكانه أن يخلق لدولة ترمب المصاعب والمتاعب في جميع المجالات التي تتبجح الولايات المتحدة الأمريكية بتفوقها فيها ومحاولة السيطرة على العالم بشتى الطرق المباحة لها والعمل على إقصاء كل منافس لها حتى تتمكن من الاستحواذ على ما تتوفر عليه بلدان العالم من ثروات طبيعية ومواقع استراتيجية وغيرها مما يجعلها الآمر الناهي وتصول وتجول في الأرض والسماء مكرسة استبدادها على بني البشر وتمكنها من الوضع الدولي بدون منازع …
قد أبان ترمب المخادع عن سوء نيته غير ما مرة ، وتوصل إلى أهدافه الحقيرة بالحيل والبهتان والابتزار والبلطجة ، واستعمل كل أنواع الدبلوماسية المخادعة والحقيرة لتحقيق ما يصبو إليه من أطماع سياسية ومادية ضاربا الأعراف والقوانين الدولية عرض الحائط ، ومتملصا مما تم التوقيع عليه في المراسيم والاتفاقيات الدولية ، مستعملا أساليب الالتواء والنصب على الدول والأفراد مثلما فعل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان حين أرغمه على التنازل عن ملايير الدولارات لحساب البيت الأبيض ، وصرح بتهديده ذلك بابتزاز الدول من خلال خطابات ألقاها امام العلن بضرورة تنازل الدول العربية ومن بينها المملكة العربية السعودية على نصيب من المال لأنها تمتلك الأموال الطائلة التي لا حاجة لها بها ، وان للولايات المتحدة حقا مشروعا فيها بصفتها الحامية لمصالح هذه الدول ، مما يجعل لها أحقية كبيرة في كل ما تملكه وتنتجه …
لهذا فلا يمكن اعتبار دعوة الرئيس الأمريكي لكل من روسيا والصين إلى توقيف سباق التسلح دعوة صادقة وجادة وخالية من أساليب المراوغة والمناورة الخادعة التي عهدها فيه العديد من ذوي الباع في السياسة ، نظرا لماضيه المضيء ، عفوا المظلم ،الذي ضاق به الجميع وذاقت العديد من الدول من سلبياته وما حل من مآس وظلم وجور وفوضى في كل بقاع العالم ، الامر الذي جعله يفقد المصداقية الدولية ويدفع بالدول والساسة إلى اتخاذ الحيطة من وعوده الكاذبة والتعامل معه بكل يقظة وحذر.
إلا أن دعوته هذه لن تمر على كل من روسيا والصين مرور الكرام كسحابة بيضاء ، ولن يمدا له يدهما مفروشة بالورود أو محملة بالحليب والثمر ليلتهم الجمل وما حمل ، لاننا لا يمكن ابدا ان ننسى ما تتصف به دولتا روسيا والصين من رصانة و فكر رفيع المستوى و…و…و…نظرا لما علمه إياهم تاريخهم المليء بالمواقف الصعبة التي استطاعوا اجتيازها والتجارب الكبيرة التي تمكنوا من تطويعها وجعلها رهن طوعهم وخدمتهم ، ليبقوا محافظين على لياقتهم الفكرية والسياسية والعلمية و…ليس مثما فعله العرب الذين تنكروا لماضيهم وأمجادهم ومكثوا حبرا على ورق مصفوف برفوف النسيان والذل والهوان …وللحديث بقية.