
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
جل الحكومات ، سواء كانت دكتاتورية أو ديمقراطية ،تنهج نفس خطة الضحك على ذقون الشعوب ، بما فيها أي الحكومات العربية والغربية لما تتبعه من أساليب التسويفات والتماطلات والالتواءات والمراوغات في اتخاذ القرارات والوعود والقيام بالواجب في إطار القيام بالمسؤولية الملقاة على عاتقها .
فما استطاع أصحاب السترات الصفراء ، ولو أنني ضد التخريب الذي قاموا به حيال الملك العمومي وممتلكات المواطنين أمثالهم، أن يحققوه من ضغط على المسؤولين والحكومة نفسها وعلى رأسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وجعل هذا الأخير يرضخ لصوت الشارع ، ليس حبا في ذلك وإنما رغما عن أنفه ، وخاصة عندما لاحظ أنه لم يعد واقفا إلا على قدم واحدة ، حين أصبح المتظاهرون يطالبون باستقالته والتصعيد فيما يخص حملتهم على رفض كل ما يضرب في كنه وضعهم الاجتماعي وطاقتهم الشرائية التي بدأت تلهبها الزيادات في الأسعار واتفاع الضرائب ، الأمر الذي زاد من تأزيم أوضاعهم على عدة أصعدة وفي العديد من المجالات وجعل حياتهم تتسم بالصعوبة ، الأمر الذي دفع بهم إلى اتخاذ عدد من أوجه الاستنكار التي تجاهلتها الحكومة ولم تعرها أي اهتمام يذكر ، ما جعل المواطنين يصعدون من مستوى الاحتجاجات ويخرجون بقوة إلى الشارع الفرنسي مستنكرين تجاهل الدولة لمطالبهم التي تصب في توقيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي عليهم ، وخاصة بعد قرار الحكومة بالزيادة في اسعار المحروقات والرفع من قيمة بعض الضرائب التي من شأنها الضرب في القوة الشرائية والمستوى المعيشي للفرض .
وتجدر الإشارة إلى أن ثورة السترات الصفراء بفرنسا قد أربكت العديد من حكومات الدول الأخرى حين أحست باكتوائها بنارها خلال انتشار عدوى الثورة المذكورة ، وتمكنها من إشعال فتيلها في بعض مدنها كبروكسيل وميلانو وغيرها ، الأمر الذي جعلهم يحسون بخطورة الوضع وما يمكن أن يسفر عنه من غضب شعبي عارم يمكن أن يجتاح قارة أوروبا بأكملها ، لتهتدي الحكومات وخاصة الفرنسية إلى ضرورة إخماد نار الثورة التي قد تأتي على اليابس والأخضر وتطالب الشعوب بما هو أكثر من تسوية وضعها المادي والاجتماعي ألا وهو محاسبة القيمين على تسيير البلاد والمطالبة بإنزال أقسى العقوبات عليهم لكونهم السبب في خلق هذه الأزمة الخانقة وعدم قيامهم بالواجب على أحسن وجه.
وهكذا فقد امتثل الرئيس الفرنسي لمطالب الشعب متراجا عن القرارات التي صدرت عن الحكومة فيما يخص الزيادات ، وألغاها تماما بعد رفض المتظاهرين للاقتراح الحكومي الأول بتأجيلها إلى غاية الستة أشهر المقبلة ، ليعد كذلك بالخروج في خطاب مستهل الأسبوع المقبل لتجنب صب الزيت على النار، حسبما صرح به ممثل للحكومة
لكن السؤال المطروح بقوة هو إن كانت نية الرئيس الفرنسي صادقة في أخذه للأمور بكل جدية لإيجاد حلول مرضية ومقبولة وإيجابية بالنسبة للمواطنين الفرنسيين وتتماشى مع رغباتهم وتطلعاتهم ؟ خاصة وأن السترات الصفراء على موعد مع الخروج إلى الشارع مرة أخرى يوم غد السبت لتأكيد موقفها وتشبثها بمطالبها ، متطلعة مرة أخرى إلى التصعيد الذي قد تنتج عليه عواقب لا تحمد عقباها.
أم أنها مجرد مناورة تنهجها الحكومة الفرنسية ، كما تنهجها حكومات العالم ، إلا من رحم ربك ، لتجاوز لحظة فوران البركان والعمل على إخماد غضب المواطنين باستعمال سياسة التسويف والتماطل واتباع نهج ”كم حاجة قضيناها بتركها” ونظرية ”سييييير تضيم” الفعالة لدى الحكومات العربية، مما يجعلنا نصدق يرومه المثل الشهير القائل”ليس في القنافذ أملس”
فحذار من غضب الشعب المظلوم ،المقهور ،المجوع والمغتصب في حقه في العيش الكريم ، لأن فتنة الجوع إذا ما اجتمعت معها كل هذه الفتن تعد قنبلة موقوتة أقوى من أي فتن أخرى ، وتفوق قوة جميع القنابل والأسلحة التي لا تخطر على بال إنسان.
والزمن كفيل بإثارة العجب العجاب .وإعطاء الدروس. والعبرة لمن اعتبر عربا وغربا…وللحديث بقية.
قم بكتابة اول تعليق