فرنسا تدخل منعطفا ذا أبعاد خطيرة وبلدان أخرى تنتظر دورها لا محالة
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث…إن ما يحدث في فرنسا الآن بسبب تعنت الحكومة وعدم امتثالها لمطالب المواطنين الذين خرجوا مؤازرين أصحاب السترات الصفراء وبعد أن وثقوا بمشروعية مطالبهم التي انطلقت منذ الوهلة الأولى عبارة عن خرجات ووقفات محتشمة ويتيمة لتتأجج نيران ثورة تلوح في أفق باريس أخذت في التصعيد بعد عدم مبالاة الحكومة وعلى رأسها إمانوبل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية الذي بدأ يماطل في إجاد حلول مناسبة كانت تقتصر على بعض المطالب المشروعة التي نادى بها أصحاب السترات الصفراء والتي تتعلق بمراجعة القرارات الأخيرة للدولة فيما يخص الضرائب التي أثقلت كاهل المواطنين والزيادة في أسعار المحروقات ولو أنها كانت لا تسمن ولا تغني من جوع ، إلا أن ذلك كان بمثابة الزيت التي تم سكبها على النار ، لتنتشر في الهشيم وتأتي على اليابس والأخضر ،لاسيما عندما أعطيت الأوامر للشرطة لقمع المتظاهرين لتؤجج المواجهات الوضع وتزيده خطورة مما أبان عن الوجه الحقيقي للغضب عند الفرنسيين الذين عبروا عن ذلك في أشكال عدة من الشغب المتمثل في توقيف السير بالطرقات إضام النيران في السيارات والحافلات والشاحنات وسيارات الأمن والشرطة وتكسير واجهات المحلات التجارية ونهبها ، الأمر الذي جعل العديد من العناصر الأمنية إلى التراجع عن قرارها في مواجهة المتظاهرين وتعبيرها عن أنها تعتبر نفسها من المتضررين من السياسة القمعية والفاشلة التي تكرسها الحكومة على لشعب الفرنسي لدرجة أن الرئيس ماكرون أثناء مروره الرسمي أمام مجموعة من الأمنيين خلال هذه المناسبة لتفقد الأوضاع وشكر رجال الشرطة على ما يبذلونه من جهد في مواجهة المتظاهرين واستتباب الأمن ، ليرد عليه أحد هذه العناصر بأنه غير راض عما عمل الحكومة وأنه يعتبر نفسه متضررا مثله مثل المواطنين من الزيادات التي أضعفت قواهم الشرائية وأثرت على وضعياتهم الاجتماعية . وهكذا تبين للحكومة أن الشعب الفرنسي جله ،إن لم يكن كله، غير راض عما تنهجه الحكومة الحالة من سياسة ليست في مصلحة المواطنين الفرنسيين ولا تعبر عن طموحاتهم ،ليتبين مع سياسة التسويف والتماطل التي ينهجها المسؤولون عن تسيير البلاد ،وخاصة عندما علم الرئيس ماكرون بأن المتظاهرين قد ضربوا موعدا للخروج في مظاهرة كاسحة يوم السبت 8 دجنبر 2018على مقربة من حلول السنة الجديدة 2019 التي يبدو أنها ستكون فأل تغيير جدري بالنسبة لفرنسا وغيرها من بلدان أوروبا وبلاد العرب ، والذي سنعود إليه في تحليل تراتبي ومنطقي حسب تمليه الظروف الراهنة وحسب تراكمات الماضي الدفين والقريب وكذلك حسب قالبية هذه البلدان للتأثر بالوضع المحتقن بها أولا ثم بفرنسا وجاراتها التي بدأت تكتوي بنيران الثورة الصفراء التي أصبحت كالبعبع المريب والشيطان المارد الذي خرج من قمقم السيطرة والتسلط الذي تنهجه العديد من الدول على شعوبها التي بقيت تجتر معاناتها في صمت مجتنبة كل ما بإمكانه إلحاق الضرر بالبلاد ،مانحين الفرصة الكافية للحكومات والمسؤولين الذين لم يستوعبوا رسالة الصمت ليتمادوا في إصدار قراراتهم المجحفة في حق شعوبهم المستكينة واعتبار هدوئها وصمودها بلادة وخنوعا أمام الأسياد الذين حالما يتمكنون من مناصب السلطة والقرار يعتبرون أنفسهم أصحاب امتيازات وأفضال عمن مكنوهم من هذه المراتب والمناصب والوضعيات التي ائتمنوهم عليها وعلى رقابهم وعلى البلاد كلها. وهكذا فقد كان تأجيل الرئيس الفرنس لموعد خطابه القطرة التي أفاضت كأس الغضب عند المتظاهرين الذين كانوا يعقدون أملا كبيرا موقف الرئيس الأخير الذي عبر فيه تفهمه لأوضاع المواطنين وأسباب تظاهرهم ومطالبتهم بالكف عن زجهم في الويلات المالية والاجتماعية والمعاناة التي تسببت فيها لهم ،وخاصة عندما نزل إلى الشارع وارتدى سترة صفراء ورضخ لمطالبهم كليا . إلا أن المتظاهرين الذين تيقظوا للأمر وأخذوه بمثابة حيل يلجأ إليها الرئيس الفرنسي ،كما هو الشأن لجميع السياسيين في العالم، ليربح الوقت ويذيب حماس الثورة حتى يصبح عدد أصحابها على رؤوس الأصابح ويتمكن من إخماد نار الثورة وربما متابعة مثيريها ومشعليها ،إلا أن الأمر والتماطل المفتعل من طرف الحكومة أتى بما لم يكن بالحسبان ،بحيث زاد عدد المتظاهرين بعد أن التحق بهم العديد من المواطنين والمتقاعدين وحتى المسؤولين والضباط العسكريين وعلى رأسهم ضابط سام متقاعد في الجيش الفرنسي من رتبة جنيرال الذي خرج في تصريحات له يؤكد فيها مناصرته للمتظاهرين باعتبارهم مواطنين متضررين وجب الوقوف إلى جانبه لدفع الضرر عنهم ، بالإضافة إلى مواقف أخرى كثيرة كتعاطف رجال الأمن مع المتظاهرين وانسحابهم من ساحات التظاهر أو حتى من زيارات رسمية قام بها مسؤولون حكوميون ليعبروا عن عدم رضاهم هم أيضا إنما يجري بفرنسا والمأزق الذي وضعوا فيه والذي أدى بهم إلى مواجهة المتظاهرين الذين كانوا يدافعون عن حقوقهم المشروعة لا غير.بالإضافة إلى تعامل الشرطة الفرنسية مع التلاميذ والطلبة وكأنها تتعامل مع مجرمين حين انتهكوا حرمة المؤسسات التعليمية ليستبدوا بأطفال من الأكيد أنهم سيكونون رجال الغد الذين سيتقلدون المناصب والمهام والمسؤوليات ، لا أظن أن رجال الغد هؤلاء سينسون وسمة العار والخزي هاته التي تعامل بها معهم رجال الشرطة الذي نكلوا بهم وعاملوهم معاملة لا تمت لحقوق الانسان التي تتبجح بها بلادهم بصلة ن والأمثلة كثيرة ومتنوعة…
وبهذا تكون فرنسا قد دخلت منعطفا جديدا قد يأتي بمواقف حاسمة بإمكانها تغيير الخارطة السياسية لدولة الأنوار والديمقراطية ،وتنطلق منها شرارة المطالبة بالتغيير بفرنسا ودول أخرى على وشك أن تدخل حلبة الثورة والتغيير نظرا لحفاظها على نمط الحكم التقليدي الذي حافظت عليه لمئات السنين ولم تجتهد في تحسينه وجعله يساير الزمن والتطور السريع الذي تدور به عجلة التقدم الحقيقي المخيف الذي أصبح يفرض نفسه بقوة والذي حافظوا له على نفس اللباس ولم يحاولوا خياطة لباس على مقاسه ويتماشى مع متطلبات العصر .
كل هذه الأمور تبشر بتصعيد في المواجهة بين الشعب والسلطة لتتطور الأمور إلى أكثر من المطالب الأولى التي كانت تستهدف تحسين الوضع المالي والاجتماعي للمواطنين ، ليرتفع سقف هذه المطالب إلى ما هو سياسي ودبلوماسي وإيديولوجي ، يتم تمريره باستغلال هذه المناسبة ، مثلما حدث يوم السبت الفارط عندما تمكن بعض الشباب من الصعود فوق مقر القنصلية الإسرائيلية لإزاحة علم إسرائيل وحرقة واستبداله بعلم فلسطين ، وما سيأتي سيكون أعظم ، ليتخذ الوضع منحى مجهولا يصعب التكهن به والتحكم فيه…
لكن الأهم من كل هذا هو التساؤل إن كان المسؤولون الفرنسيون سيفطنون للعبة الخبيثة التي تم استدراجهم إليها من طرف المخططين لكل ما حدث لهم وما سبق أن حدث في بلدان أخرى من قبلهم والتي لم تجن من ذلك إلا الأشواك ، في الوقت الذي كانت فرنسا هي أيضا عبارة دمية تحركها تلك الجهات المتشيطنة لتزكي مواقفها وتحالفها في السراء والضراء لتتلاعب بمصير الشعوب والأمم وتستغل خيراتها وتستنفدها ، مما فتح شهيتها في الاستفادة من ذلك غير آبهة بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع ويعود السحر على الساحر. فهل ستأخذ العبرة مما حدث لمن سبقها وما هي بصدده من تآكل يحدث بين بين مكوناتها الأساسية ألا وهي الشعب والحكومة اللذان سيفقدان الثقة في بعضهما البعض ويضيع كل شيء لسيقط الأسد وتحيط به مجموعة ابن آوى التي لن ترحمه أبدا؟؟؟
وهل بإمكان الدول الأخرى ، والف(اهم يفهم ، أن تأخذ العبرة مما يحدث لفرنسا وما سيحدث حتما للدول المجاورة ، وتعمل على إيجاد حلول إيجابية وسريعة حتى لا تؤكل كما أكل الثور الأبيض
،نظرا لكثرة أعدائها المتربصين لها والذين يبذلون قصارى جهدهم كي يوقعوا بها في شراك الفتنة ، ألا إني قد بلغت …وللحديث بقية.