أغنى كائن في الطبيعة
جريدة النشرة : هاجر إد بوخليق
ان الحياة فرصتنا الوحيدة و الفريدة لنثبت وجودنا و نقوي كياننا البشري على سطح الارض عن طريق استغلال النعم العديدة و السنين المديدة التي وهبنا الله اياها، و ميزنا بها عن سائر المخلوقات الأخرى. فالإنسان هو الكائن الثري ضمن خلية المخلوقات و نسيج الموجودات:( ثري بعقله المدرب الذي ينفرد به دون غيره من الكائنات، ثري بجميل خلقته، التي أبدع الله في تشكيلها و أجاد سبحانه تركيبها في صورة تقبلها العين و يرتاح لها القلب و تطمئن لها الوجدان ). ولعل هذه الأسباب و غيرها هي التي تجعلنا نتحدث حول مسؤولية الإنسان تجاه نفسه قبل الأغيار، و كيفية التعامل مع الاخر عن طريق تهذيب الذات و تصويب أخطائها بالنظر إلى شمائلها و تأمل عظيم كنهها. لقد جعل الله الإنسان خليفته على وجه البسيطة و ألهمه سبل العيش الكريم، وسلامه مفاتيح التفكير السليم،و مكنه من شتى العلوم و الآداب التي من شأنها أن تسهل عليه مصاعب الحياة، و تؤنس وحشته، وتذهب مخاوفه البيولوجية؛ وكل هذه دوافع و حوافز تجعل الإنسان محبا للحياة و متمسكا بها: فكلما زاد عمره، تعاظم عنده الإحساس بقيمة حياته، وتوسع عنده إدراك ماهيته و مهامه في الدنيا. مما لا شك فيه أن عمر الإنسان يرتبط ارتباطا وثيقا بالتساؤلات و التأملات من قبيل الآتي:( من أنا ؟ ما دوري في الحياة؟ ماذا قدمت للإنسانية ؟ كيف استثمر عمري؟ و من أين أبدأ طريق النجاح و النجاة؟ …). نعم، كلها تساؤلات غاية في الأهمية، ذات إجابات عميقة جوهرية يتوصل إليها الإنسان من خلال خوض التجارب و البحث في تاريخ وجوده، و التأرجح بين ثلاثي الماضي و الحاضر و المستقبل. إن الإنسان ذاته كبنية معقدة، ككل مركب،مزيج بين روح و مادة يشكل لغزا محيرا للعقل وسؤالا لايستغرقه جواب واحد. كيف لا و قد انزل الله سورة مستقلة يعنى بها الانسان، بل سميت باسمه مكونة من 31 آية مجاورة مباشرة لسورة الرحمان في كتابه جل علاه، لم يكن هذا التقارب و التتابع بمحض الصدفة إنما هو تقدير و تدبير من ربنا الرحمان حرصا منه على جعل الإنسان بمقربة من خالقه ليفهم أسرار الكون الموغلة فى الغموض. ويفك شفرة الطبيعة المبهمة في حدود العقل الواعي ضمن ما يتيحه المنطق والفكر من إمكانيات دقيقة وموضوعية . استهل الله عز وجل هذه السورة بحرف استفهام حيث قال في محكم تنزيله:( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) اية1 من سورة الإنسان. و جاء بعد هذا السؤال العميق الذي يوجه العقل للتأمل، جرد لمراحل عمر الإنسان بدءا من الخلق بهدف الابتلاء أي الاختبار تدرجا نحو السمع و البصر كوسيلتين ليكون الإنسان شاهدا على نفسه. ثم تصنيف الناس بين الشاكر و الكفور و إقرار مصير الأبرار و الكفار أما جنة أو نار. كما تعرضت السورة لأمور أخرى تهم الإنسانية بصورة العموم. وزبدة القول أن الانسان، سيد الامتيازات الكثيرة و الفضائل الغزيرة و صاحب عقل و بصيرة و ذو حظوة عند الله تعالى لذلك وجب عليه التحلي بالفضيلة و التعفف عن الرذيلة و حري به أن يتخلق بالمبادئ السامية و القيم النبيلة: كحب الخير للناس و توطيد دعائم التآخي و التآزر بينه وبين كل مكونات العالم من أجل حياة أفضل. وفي هذا الإطار يقول الشاعر محمد الحلوي: ( أخي.. نحن هاهنا على رغم هوانا و أنفنا أخوان نحن في زورق تقاذفه الموج عديم الشراع و الربان).