الجيش السوداني يطلق الرصاص على المتظاهرين والمعتصمين أمام قيادة الجيش
في نفس اليوم الاثنين 13 ماي 2019 الذي يعلن فيه قادة تحالف الحرية والتغيير والمجلس العسكري في السودان التوصُل أخيرا إلى اتفاق ربما يمثل بداية الحل للأزمة السودانية، يقع هجوم مسلح على المعتصمين أمام قيادة الجيش مخلفا وراءه قتلى وجرحى وقلقا ومخاوف من تأزم الموقف وانزلاقه أكثر فأكثر نحو العنف.
“إجهاض الاتفاق” أم “فض الاعتصام“
اتهم المُحتجون، عبر لجنة أطباء السودان المركزية، ما وصفوها بـ “ميليشيات النظام الساقط” بإطلاق النار، بينما أعلن المجلس العسكري الانتقالي عن مقتل ضابط برتبة رائد في الخرطوم على يد ما صفها بـ “جهات تتربص بالثورة وتعمل علي إجهاض أي اتفاق يتم الوصول إليه“.
وكان المجلس العسكري الانتقالي قد اتفق أمس الاثنين مع قوى الحرية والتغيير في السودان على تشكيل “مجلس سيادة” جديد يحل محل المجلس الحالي، على أن يتم الاتفاق يومي الثلاثاء والأربعاء على نسب المشاركة بين العسكريين والمدنيين والمدة الزمنية للانتقال السلمي للسلطة.
واعتبرت الباحثة المصرية أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن حادث إطلاق النار جاء ردا على التقارب الذي حدث بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. وأضافت تقول: “أي تحرك عنيف ضد المتظاهرين لا يصب في صالح المجلس العسكري لأن هذا سيظهره في مظهر غير القادر على الإمساك بزمام الأمن في البلاد“
كما ترى الباحثة المصرية أماني الطويل أن تأزم الوضع في السودان حاليا يصب بالدرجة الأولى في مصلحة الأجهزة الأمنية في النظام المخلوع و”أصحاب المصالح” من “الحركة القومية الإسلامية”. وتقول الطويل إن “أي تقارب بين المجلس العسكري وتحالف الحرية والتغيير يمكنه أن يهدد المصالح المباشرة للحركة الإسلامية القابضة على المصالح الاقتصادية والجهاز الإداري في السودان“.
أما الناشطة السودانية إيمان صالح فترى في حادث إطلاق النار محاولة جديدة لفض اعتصام القوى المدنية حيث تعتبر ما تم التوصل له من اتفاق مع المجلس العسكري “مهادنة لإظهار النوايا الحسنة وإبعاد التهم عن المجلس العسكري”. وتضيف بأن “الحركات المسلحة التي كانت تقاتل نظام البشير وضعت سلاحها جانبا منذ بداية الاحتجاجات في ديسمبر، فضلا عن وجود تلك الحركات في مناطق النزاعات في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. فالسلاح الموجود الآن في الخرطوم هو تابع للجيش وميليشيات الدولة فقط“.
مقومات الصراع المسلح
واحدة من أسباب تعقيد الموقف في السودان هو وجود أطراف عديدة تحمل السلاح وهو ما قد يسرع في اشتعال الوضع بحسب بعض المراقبين. وبدورها حصرت الباحثة المصرية، أماني الطويل، عوامل الخطر في عدة أطراف محلية منها: “قوات الأمن الشعبي التابعة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم (سابقا)، وكتائب الظل التابعة للحركة القومية الإسلامية”، وخلايا القاعدة و”داعش” النائمة في السودان. بيد أنها في المقابل استبعدت أن يلجأ الإخوان المسلمون في السودان للعنف وصنفتهم كـ “قطاع ضعيف”.
وعبرت الطويل عن تخوفها الشديد بشأن عاملين إضافيين في هذا السياق حيث قالت: “السلفيون، حتى وإن لم يكونوا مسلحين، يمكنهم أن يتحولوا من السلفية الدعوية للسلفية الجهادية. وهناك أيضا قوات الدعم السريع ، وهي قوات ليس لها عقيدة عسكرية وتحالفاتها السياسية متغيرة، وبالتالي يمكنها التسبب في حساسيات عرقية ومشاكل سياسية”.
وبالفعل اتهمت قوى إعلان الحرية والتغيير اليوم الثلاثاء قوات الدعم السريع باستخدام الذخيرة الحية في حادث إطلاق النار الذي وقع مساء أمس الاثنين، كما حملت الجيش السوداني المسؤولية عن ذلك.
هل هناك أمل؟
حساسية الوضع في السودان لا تنفي وجود بوادر أمل في تحقيق انتقال سلمي للسلطة، بعد سقوط رئيسها السابق عمر البشير، دون الوقوع في فخ النزاع المسلح.
و تؤكد أماني الطويل، الباحثة المتخصصة في الشأن الأفريقي، على أهمية “استيعاب المشهد الإسلامي المعتدل” في مواجهة من ينتهجون العنف، وكذلك قيام المؤسسة العسكرية بدورها في حماية البلاد كشرطين للحول دون وقوع المزيد من العنف ولتحقيق الاستقرار.
وتقول الطويل في هذا الشأن: “إذا امتلكت المؤسسة العسكرية ما يؤهلها لضبط الأمور على المستوى الأمني دون التدخل في العملية السياسية، مع استيعاب رموز من الإسلاميين لم يتورطوا في أعمال عنف أو فساد مالي في الهياكل المُقترحة للمرحلة الانتقالية، يمكن في هذه الحالة الحديث عن نجاح التجربة السودانية واحتمال تحقيق الاستقرار“.
لكن الطويل تؤكد على أن الخروج من المأزق لن يتم بشكل فوري لتوقعها أن حادث إطلاق النار الذي وقع أمس الاثنين لن يكون الأخير من نوعه. ومن جانبه أكد المجلس العسكري، صباح اليوم الثلاثاء، على أنه “لن يسمح بالفوضى”، لكنه صرح أيضا بأنه “لن يطلق رصاصة واحدة” على المتظاهرين.
أما الناشطة السودانية إيمان صالح، فتضع شروطا أخرى للخروج من المأزق الحالي وحماية الانتقال السلمي للسلطة حيث تقول: “تجنب تفاقم الوضع يتم بقيام المجلس العسكري بضبط الميليشيات العسكرية ونزع سلاحها ودمج أفرادها في المجتمع”. كما تطالب صالح بـ “حل قوات الأمن الشعبي وكتائب الظل التابعة لنظام البشير المخلوع ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين ومصادرة ممتلكاتهم”
.