فطنة الراحل الحسن الثاني ووريث عرشه محمد السادس مكنت من بناء مغرب قوي على أسس متينة
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … إن عملية التهريب اللاشرعية كانت تنشط بالحدود المغربية الجزائرية منذ عقود من الزمن وبفعل فاعلين كبار، وكان يستفيد من فتاتها أسطول كبير من المافيا المشتركة والمتكونة من جزائريين ومغاربة وأجانب ، تذر عليهم أموالا طائلة استطاعوا بفضلها شراء الذمم والسيطرة على الوضع الاقتصادي ، مستهدفين توسيع رقعة أطماعهم في السيطرة على الأنظمة المتواجدة بداية بشمال إفريقيا ثم بعدها اكتساح القارة السمراء التي كانت شعوبها ، بسبب التطاحنات القبلية المحلية وقصر النظر والطمع والجشع الذي اتصفت به بعض شعوب إفريقيا ، يخطط للسيطرة على أنظمتها وثرواتها الهائلة والمختلفة بتكريس نشر الفتنة والبلبلة وتشجيع الإرهاب وتكريس سياسته القذرة.
إلا أن نباهة المغفور له الحسن الثاني ، طيب الله ثراه ، وبفضل فطنته وذكاء صنوه الرائد صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، استطاعا أن يجنبا المغرب الدخول في العديد من المتاهات ، وصمما استعجال المخططات والمشاريع الاقتصادية والإصلاحية للعمل على نهج سياسة الاعتماد على النفس والاكتفاء الذاتي ما أمكن ، انطلاقا من بناء السدود وتوزيع الأراضي الفلاحية والرفع من مستوى عيش المواطنين بالسير في تطبيق مقتضيات المخطط الاخضر والتنمية البشرية وضبط مرتكزاتها وتطوير آلياتها التي شملت الرفع من مستوى العيش الكريم لدى المواطنين المغاربة ، بتمكينهم من حقهم في السكن الكريم وضمان العيش الكريم من خلال ما أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس من مشاريع سكنية هائلة لإعادة إسكان ساكنة دور الصفيح ومحاربة السكن غير اللائق وتوفير البنية التحتية المناسبة لهذه المدن الجديدة التي ترقى بالمواطنين من طبقة الدونية لمحاولة مسح آثار الهوة الاجتماعية السلبية وتكريس حياة العيش الكريم لدى المواطنين دون الإحساس بعقدة التمييز والتهميش والإقصاء ، كما تم الدخول في إنجاز مشاريع موازية هامة تمكن من تزويد هذه الأحياء والمدن بكل متطلبات الحياة اليومية للمواطنين كالإدارات العمومية من جماعات محلية ومراكز للشرطة والإطفاء ومستوصفات ومراكز صحية ومستشفيات مجهزة بأحدث التقنيات ، مما أعطى المغرب صورة مشرفة في قطاع الصحة يتمثل في بلوغ متوسط أمد الحياة 75 سنة مقارنة بأطول أمد في الحياة عند اليابان الذي يبلغ 83 سنة ، في حين أن أدنى أمد في الحياة يسجل بسيراليون والذي لا يتجاوز 46 سنة ، ناهيك عن التقدم الكبير الذي أحرزه المغرب بفضل أطباء مغاربة اصبحوا روادا في تخصصات كثيرة ومتنوعة في مجال الصحة كالتجميل مثلا والذي جعل من مصحات المغرب قبلة بامتياز يقصدها رؤساء الدول الإفريقية وأغنياء اوروبا والعالم ، مما ساهم في خلق سياحة طبية رفيعة وراقية بالمملكة وساعد على تنشيطها لعدة عوامل مشجعة ومنها جودة الخدمات الطبية والأثمنة المناسبة لذلك بموازاة مع حسن الضيافة والكرم المشهودين للمغاربة بصفة عامة .
كما لا يخفى على أحد السياسة التي نهجتها الدولة للرفع من مستوى التعليم بكل أطيافه ومستوياته ، خاصة بعد اعتماده للأسلاك الدولية ، كالبكالوريا الدولية ، التي أصبحت متاحة للتلاميذ المغاربة بالمؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية على السواء بالمملكة ، ناهيك عن أسطول المدارس العليا المتخصصة والجامعات العمومية والخصوصية التي ساهمت في الرفع من مستوى التعليم بالمغرب وأصبحت هي ايضا قبلة لطلبة العالم وخاصة الطلبة الافارقة ، كجامعة الاخوين وجامعة واشنطن ، وكليات الطب بالرباط والدار البيضاء وغيرهما ، بالإضافة إلى مراكز التكوين الوطنية التي اصبحت تزود السوق المحلية والوطنية والإقليمية وحتى العالمية بيد عاملة متخصصة ، كما ان المغرب قد وصلت فيه نسبة المعرفة بالقراءة والكتابة حوالى 70,1 بالمائة في الوقت الذي تبلغ فيه الصومال نسبة 11,45 بالمائة، مما يبين مدى المجهودات الجبارة التي تبذلها المملكة للرفع من مستوى القيمة الفكرية والثقافية لدى المواطنين ومستوى وعيهم كمواطنين حقيقيين، لهم حقوق وعليهم واجبات ، وتحسيس المسؤولين بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم والمهام المنوطة بهم في تأكيد اعتماد البلاد على كفاءات محلية ووطنية ، مرورا بخلق نهضة صناعية تعتمد على عدة قطاعات تتمثل في القطاعات التحويلية والمنجمية وغيرها ، ويعتبر ثالث بلد في العالم بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية ، ليحتل المرتبة الأولى عالميا في تصدير الفوسفاط ، هذا المجال الذي عمل المغرب على تطويره كثيرا بحيث سجل في سنة 2017 تطورا قياسيا بلغ 22 بالمائة وبلغ تطور مشتقاته حوالي 20 بالمائة وعلى سبيل المثال الأسيد فوسفوريك الذي سجل زيادة وصلت إلى 23 بالمائة ، وذلك بفضل السياسة الجديدة التي نهجتها المملكة في انفتاحها على أسواق جديدة ومهمة تضاعف من خلالها الانتاج والتصدير 8 مرات أكثر وصل إلى حصة 28 بالمائة وتتمثل في القارة الإفريقية ، هذه السوق الجديدة التي أخذت باهتمام المسؤولين المغاربة وعلى رأسهم صاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي أولاها أهمية قصوى على جميع الأصعدة ، وخاصة بعد عودة المغرب إلى حضنه الطبيعي بين إخوانه الأفارقة بالمنتديات الأفريقية سواء السياسية منها أو الاقتصادية وعمل على إحياء روح التعاون والتكامل والتكافل بين دول إفريقيا التي يجمعها بالمغرب علاقات قوية في الجوار والمصالح والمصير المشترك ، ليعبر بذلك جلالته عن حسن نيته في التاسيس لنظام إقليمي في إطار جنوب / جنوب ، ينبني على خدمة مصالح جميع الدول الإفريقية دون استثناء أو تمييز .
كما دخلت المملكة في قطاعات جديدة ومتطورة كصناعة السيارات وتركيب الطائرات والسفن والصناعات الكهربائية والمطاط والصلب والأسلاك الكهربائية ، بالإضافة إلى الصناعات الخفيفة وشبه الثقيلة التي قام بتشجيعها ، ليساهم كل ذلك في الرفع من منسوب الإنتاج الوطني وخفض أعباء الواردات ، إلا من الضروريات والمستلزمات الواجبة والملحة ، وتشجيع الصادرات لإدخال العملة الصعبة عن طريقها وعن طريق فسح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية التي وجدت في المغرب أرضية خصبة لمشاريعها الكثيرة والمتنوعة في العديد من المجالات كالسياحة والخدمات والعقار والصحة والتعليم والصناعات المختلفة الموازية ، ليكمل بعده صنوه ووارث مجده الملك الرائد محمد السادس نصره الله وأيده وسدد خطاه ، هذه المسيرة التنموية بلمسة سحرية مستقبلية بفتح باب التحديث على مصراعيه وينطلق في تفعيل روح المبادرات التنموية والسير بخطى حثيثة نحو التقدم والازدهار والرفاه ، بحيث ساهمت الصناعة بنسبة خمس وثلاثين بالمائة من الناتج الداخلي الخام لتشغل ثلاثين بالمائة من اليد العاملة ، أما الفلاحة فتساهم بأحد عشر بالمائة من الناتج الداخلي الخام وتشغل ثلاثة وثلاثين بالمائة من اليد العاملة ، أما الخدمات فتساهم بأربعة وخمسين بالمائة من الناتج الداخلي وتشغل سبعة وثلاثين بالمائة من اليد العاملة ، أصبح المغرب كذلك يحتل المرتبة الثانية في مجال السياحة والمرتبة الخامسة والخمسين من حيث جاذبية الاستثمار ، ليعطي ذلك للمغرب مكانة مرموقة بين الدول .
كما قطع مجال الصحة اشواطا كثيرة عرفت المملكة خلالها تطورا ملموسا بحيث أصبحت هناك إمكانية توفير طبيب لكل 1617 مواطنا ، مقارنة بطبيب لكل 12500 مواطن بدولة طنزانيا ، كما تبلغت نسبة النمو في المغرب 3,9 في المائة في حين تبلغ لدى فينزويلا نسبة النمو 18,6 تحت الصفر في المائة ، وهي أقل نسبة تنمية في العالم ، كما حددت نسبة انتشار البطالة بالمغرب في 10,6 بالمائة ، مقارنة بالكونغو التي تصل فيها إلى 46 بالمائة .
ويؤكد جلالته صورة الحداثة الفعلية للمملكة بالدخول في تحديات عصرية تشمل العديد من القطاعات كقطاع النقل مثلا الذي استطاع المغرب أن يكون رائدا فيه لإفريقيا والدول العربية والإسلامية كتبنيه منذ سنة 2007 للقطار فائق السرعة *تي جي في* الذي يربط مدينة طنجة شمال المملكة بمدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية ، مرورا بالرباط العاصمة الإدارية للمملكة ، بتكلفة عشرين مليار درهم ، والذي تختزل فيه مدة السفر من خمس ساعات عبر القطار العادي إلى ساعتين فقط عبر البراق ، هذا المشروع الرائد الذي مولت فرنسا منه نسبة 51 في المائة ليمول المغرب ما نسبته 28 في المائة ، و 21 بالمائة مما تبقى تم تمويله من صناديق عربية والسعودية والكويت والإمارات في انتظار مباشرة العمل في تمديد هذا الخط نحو الجنوب عبر عاصمة سوس مدينة اكادير عصب سياحة الجنوب.
بالإضافة إلى ما يشتمل عليه المغرب من موانئ هامة تجعله منفتحا على الملاحة الدولية وتشجع المبادلات التجارية وغيرها مع العديد من الدول كميناء طنجة المتوسط الذي يمتاز بمنطقته الحرة والذي استطاع خلال سنة واحدة فقط من تشغيله ان يروج لمليون حاوية ليتجاوز بذلك ميناء مرسيليا بفرنسا ، ليصل سنة 2014 من معالجة 8 ملايين حاوية ، مما جعل المغرب يحتل المرتبة السادسة عالميا من حيث الربط الملاحي ، بعدما كان في الرتبة 83 سنة 2005 ، كما عبرته 286000 شاحنة للنقل الدولي في سنة 2017 والذي تبلغ طاقة استيعابه 700000 شاحنة، كما أن ميناء طنجة هو مرتبط بما يفوق 174 ميناء بكل أنحاء العالم موزعة على 74 دولة ، كما عبره 858 ألف و680 مسافرا خلال النصف الأول من 2017 ، بالإضافة إلى أن ميناء طنجة المتوسط يعتبر قطبا صناعيا بامتياز يضم أكثر من 800 شركة عالمية ، بحجم مبادلات 7,8 مليار دولار ، ناهيك عن امتلاك المغرب لترسانة أخرى كبيرة من الموانئ المهمة جدا كميناء الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية ، الذي يعرف حركة دائمة ودون توقف نظرا لما تلعبه المدينة من دور اقتصادي هائل بتواجد آلاف الوحدات الصناعية والتجارية والاقتصادية التي تزود السوق الوطنية والإقليمية والعالمية بشتى المنتوجات إلى جانب موانئ أخرى عديدة تلعب دورا أساسيا وحيويا في مجالات متعددة كميناء الجرف الأصفر بالجديدة وميناء أسفي وميناء أكادير وميناء العيون وميناء الداخلة إلى غير ذلك من الموانئ التي تزخر بها الثغور المغربية التي تمتد على طول 3500 كيلومتر من السواحل المطلة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
كما أن للمغرب عدة مطارات تلعب دورا حيويا أيضا في الملاحة الجوية ونقل المسافرين من وإلى جميع أنحاء العالم ، وعلى رأسها المطار الدولي محمد الخامس بالدار البيضاء ومطار مراكش ومطار أكادير ومطار الرباط ومطار الناظور … كل هذا يسير في سياق اتباع خارطة الطريق التي يسطرها عاهل البلاد لفك العزلة عن البلاد والانفتاح على العالم ، مع ربط ذلك بالاعتماد على المؤهلات الخاصة للبلاد وكل ما بإمكانه خلق الدينامية المرجوة في الاقتصاد الوطني والرفع من مستوى ووثيرة النمو والتقدم في إطار احترام القانون وتفعيل ما يؤكد عليه دستور البلاد من احترام للمؤسسات والمقدسات والرموز والاحتفاظ بالأصالة والقيم الصحيحة ، عاملا على بناء دولة للحق والقانون ، تحترم المواثيق الإقليمية والدولية ، وتسابق إلى ربط علاقات التعاون وتوطيدها مع شتى أطراف المجتمع الدولي ، داعية إلى تبني خطط السلم والسلام الدوليين وسلك سبل التعاون البناء وتكريس مبادئ التشاركية والمصلحة العامة ، بعيدا عن التمييز والحقد والكراهية ، داعيا جلالته إلى نهج سياسة واقعية بنظرة تفاؤلية تجمع دول العالم وشعوبه وأممه بالنظر إلى ما يجمع الشعوب والأمم ويقوي لحمتها وروابط الإنسانية فيها … وللحديث بقية.