ثورة الجياع على الجياع … الجزء الأول

0

جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا

 

 

بقية الحديث … لم يكن يخطر على البال يوما أن أشهد ثورة كالثورة العارمة التي حدثت يوم الاحد الماضي بإحدى الأسواق الأسبوعية بمدينة القنيطرة والتي لم أجد تسمية مناسبة لأحداثها أكثر تعبيرا عن ملابساتها من وصفها ب” ثورة الجياع على الجياع ” للاستحواذ على بعض الطميطمات والجزيرات البئيسة وقطع اللحم وغير ذلك ليسدوا به لهفتهم على الترامي على ملك الغير بدون سند قانوني او سبب معقول إلا بدافع الأنانية والجشع ومبدإ “راسي يا راسي ” و ” الطوفان من بعدي ”  يا للصدفة الغريبة والعجيبة ، والتي ذكرتني أيضا بما حدث بفاس حين هاجم بعض المواطنين الجياع أيضا ،  سوقا للأغنام قبيل الاحتفال بعيد الأضحى المبارك ، لينقض الجائعون الظلمة الذين لا يعانون من جوع البطن فقط بقدر ما يعانون من جوع الضمائر وعمى البصيرة وفقدان الإحساس بالإنسانية والوطنية الخالصة ، لينهالوا على أصحاب الحق من ذوي جلدتهم وشريحتهم المطحونة والمسحوقة وهم يسترزقون من مادة سهروا على تربيتها والعناية بها ليل نهار لشهور وشهور في انتظار هذه المناسبة الدينية المباركة ليحنوا ثمرة تعبهم ويسترجعوا مالهم مرفوقا بجزء من الربح يساعدهم على تخطي المشاكل اليومية التي يلاقونها طيلة السنة ، فيجزون بما ينسيهم كل هذه الصعاب والمتاعب ويعملون بفضله على تطوير إنتاجهم وتحسين وضعيتهم المادية وغيرها ، مما يحفزهم على المزيد من الاستثمار في مجالهم في إطار المغامرة التي يسلكون طريقها ويجعلهم بين القضاء والقدر دون ضمان إيجابيات ما يقبلون عليه تماما تاركين املهم في ذلك لله عز وجل ، فإذا هم بين عشية وضحاها يجدون أنفسهم بين مخالب وحوش بشرية وبلطجية عديمي الإنسانية والوطنية ينقضون عليهم كفرائس في عمق الغاب انقضاض الذئاب على الحملان دون رحمة أو شفقة ، لكن الذئاب قد تكون غير ملامة بطبيعتها الحيوانية والافتراسية التي تقوم بها في وجه طرائدها بحكم ضرورة ضمان قوتها في البيئة الطبيعية التي تعيش فيها والوسط الذي خلقت فيه لتفترس والذي لا بديل عنه منه ولا مناص منه لاقتياتها واستمرار عيشها .

لكن الغريب في الأمر هو أن بني البشر قد ميزهم الله عن بقية المخلوقات بالعقل والإنسانية وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا ونزل عليهم شريعة ينظمون حياتهم من خلالها بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي ورثوها عن السلف إلى جانب القوانين الوضعية التي تسعى دائما إلى تنظيم طرق العيش والتعايش فيما بينهم ولتضمن للجميع حقوقهم وامتيازاتهم وتساعدهم على تحقيق آمالهم وتطلعاتهم في اوساط ملائمة مع ضمان الأمن والأمان لهم والإحساس بالاستقرار المادي والمعنوي ونشر ثقافة السلم والسلام محليا وإقليميا ودوليا والاستمتاع بأجواء التحضر ومزاياه والاستفادة من نتائجه الإيجابية التي تضمن مصالحهم وترقى بهم إلى درجات الرقي المنشود الذي يحفز فيهم تكريس ثقافة الحقوق والواجبات ومعرفة ما لهم وما عليهم ليتمكنوا من التعايش مع بني جنسهم في حدود الاعتراف بالآخر والانفتاح عليه والتعاون معه والتكافل وتكميل بعضهم البعض ، الأمر الذي بدأنا نفتقده في العقود الأخيرة التي أخدت تغيب فيها كل مواصفات الإنسانية المرجوة التي نحن بحاجة إليها لترميم الصدع الاجتماعي والشرخ الكبير الساعي إلى خلق مزيد من الفوارق الاجتماعية داخل نفس الشرائح لزرع الفتنة والحقد  واستفحال الاختلافات السياسية الممنهجة المبنية على إيديولوجيات هدامة أحادية الجانب الساعية إلى الانفراد بالمواقف قصد التحكم في الاوضاع بطريقة أو باخرى ، دون التفكير في مصير الآخر فرادى أو جماعات ، شعوبا أو أمما ، ودون مراعاة لأي كان من القيم والمبادئ والاعراف سوى المصلحة الخاصة المهيمنة بقوة والتي يمكن أن يضحى في سبيلها بالبشرية جمعاء والإنسانية التي لم تعد تجد لها مكان إبرة في قلوبهم وطريقة تفكيرهم ومعاملاتهم بسبب أطماعهم العمياء … وللحديث بقية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.