هل ستصلح الدبلوماسية الرياضية ما أفسدته الديبلوماسية السياسية لدى العرب والأفارقة؟
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … لا أحد ينكر ما حققته الدبلوماسية الرياضية من خلال المحفل الرياضي العالمي الذي تحتضنه دولة قطر ، كأول بلد عربي يتمكن من تحقيق تنظيم من هذا المستوى وفي كرة القدم بالذات ، حيث سخرت كل ما يمكن تحقيق نسخة مميزة ومشرفة جدا على الصعيد الإقليمي والدولي بصرفها ما يفوق 200 مليار دولار ، صرفت في وضع بنيات تحتية رياضية وسياحية وترفيهية وغيرها ، مما جعل نسخة مونديال قطر 2022 تتصف بالتميز والمستوى الرفيع الذي تمثل في العديد من الخدمات المميزة التي حظي بها الزوار كحسن الضيافة والكرم وجودة الخدمات الموازية والمرافقة لهذه التظاهرة الرياضية العالمية التي نجحوا في جعلها نسخة شاملة لأنواع الأسس الرياضية الحديثة والمتطورة ، باتباع آخر ما توصلت إليه صيحات الابتكار العلمي والقانوني والتنظيمي في مجال اللعبة على الإطلاق وبلوغ ما لم يسبقهم إليه الآخرون ، من الغرب طبعا ، وكأن التظاهرة من حكايات ألف ليلة وليلة لكن مع تحقيقها على أرض الواقع ، تمثلت في العديد من المواقف والإنجازات المختلفة والرائدة تضمنت سن قوانين تتماشى مع احترام العادات والتقاليد المحلية والإقليمية والأسس المحترمة للكرامة والأخلاق والآداب العامة والعلاقات الإنسانية ، كمنع بيع الخمور في محيط الملاعب الرياضية لاجتناب ما يمكن أن يصدر عنه من شغب وفوضى وتسيب ، كما تم منع كل ما يساهم في نشر وترويج الانحلال الخلقي كالشذوذ الجنسي ، بحيث تم منع طائرة الفريق الوطني الألماني من دخول مطار الدوحة بسبب حملها لشعار الحرية الجنسية المتمثل في ألوان قوس قزح ومنع حمله داخل الملاعب وفي الأماكن العامة والتصدي لذلك بكل الآليات والمساطر القانونية الرادعة .
كما تم فتح المساجد في وجه الزوار الأجانب المسلمين منهم وغير المسلمين ليسمح لهؤلاء بالتعرف على مفاهيم الدين الإسلامي وحقيقته وأسسه والتشجيع على اعتناقه ومزاولة شعائره والتخلي بخصاله ، فكان هناك إقبال كبير على اعتناق الإسلام عن طواعية ، وتم توزيع المصاحف بلغات كثيرة ومتنوعة وبطرق سهلة وواضحة استحسنها العديد من الزوار الذين دهشوا لحسن المعاملة من طرف السكان القطريين والعرب على العموم الذين احتكوا بهم وأعجبوا بخصالهم وسماحتهم وحسن خلقهم ، ليندمجوا فعلا في محيطها بسلاسة لم تكن في الحسبان ، بالٱضافة إلى أن التظاهرة كانت فرصة لتلاقح الحضارات التي كانت قطر ملتقى فعليا وواقعيا لها شمل جل الأجناس والثقافات والحمولات السياسية والإديولوجية ، مما سنح لهم بتصحيح المواقف وتوضيحها وإزالة الغموض عنها …
كما أن التظاهرة هذه كانت فرصة لتحقيق الذات أمام الآخر ، وخاصة بالنسبة للدول العربية التي كان مونديال قطر 2022 مسرحا لتألقها وتأكيد قيمتها الرياضية والتنظيمية والمادية والمعنوية ، مما أعطى للآخر فرصة التعرف عن قرب على إمكانيات دفينة لدى الدول العربية خرجت إلى حيز الوجود في أبهى حللها خلال هذا العرس الرياضي الناجح بامتياز ، والذي عبرت فيه الدول العربية عن قدراتها العالية وإمكانياتها الخارقة التي يجب ألا يستهان بها ، فكانت المناسبة كسوق عكاظ الدولية التي تم إحياؤها من جديد بعد قرون من الزمن ، لتعود هذه المرة في حلة جديدة بطعم العصر ، لتذكر الآخر بأمجاد العرب وحاضرهم وقوة استيعابهم لمجريات الأحداث وتفاعلهم معها ، دون أي مركب نقص ، بل عكس ما يروج عنهم بأنهم متخلفون ورجعيون وعدة أوصاف دخيلة عنهم ولا تمت للواقع بصلة ، بل كان سوق عكاظ قطر هذا بمثابة مناسبة سانحة لعرض الحقائق التي يخفيها الحساد وأعداء النجاح الذين تنمروا على البلد المنظم وتكالبوا عليه حتى لا يخطف الأنظار ويفضحهم ويعري عن مخططاتهم وأهدافهم الخبيثة أمام الرأي العام والشعوب والأمم .
لكن هذه المرة جرت الرياح بما لم تشته السفن ، بالنسبة للعالم الغربي الذي كان يستحوذ على الحب والتبن دون السماح للعرب بفرصة فرض الوجود والتعبير عن الذات ، الأمر الذي جعل السحر ينقلب على الساحر ، مما يبين قصر النظر لدى الغرب الذي لطالما استعرض عضلاته في كل المجالات ورفض تسليم المشعل لمن يعتبرهم أعداء له ، رغم أنه استلم مشعل العلم والريادة من أيديهم فيما مضى ، غير راض بالاعتراف بفضلهم عليه وبمكانتهم العظيمة وقدرتهم الفائقة على تحقيق الإنجازات الرائدة في العديد من المجالات ، كما يقول الله -تبارك وتعالى- في الآية 120 من سورة البقرة “وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ” صدق الله العظيم … وللحديث بقية .