حملة محاربة المحتوى السيئ والاستبداد
جريدة النشرة : ذ. أحمد الخالصي / العراق
ينشأ الاستبداد من لدن الفكر الجمعي بعد أن يتم تفريغه من محتواه بفعل سلسلة من اللاستقرار تحيط به، وفي مختلف الاتجاهات، وبالتحديد على المستويين السياسي والاجتماعي، ومن ثم البقاء في دائرة مغلقة من الصراعات المولدة للعنف، وهذا البيئة ستؤدي إلى حتمية ولادة إيمان راسخ بضرورة القوة لعلاج هذه الحالة من قبل عينات كبيرة من المجتمع، وصولاً إلى غلبة هذا الشعور على السواد الأعظم منه، من هنا تظهر المقبولية الشعبية والمساندة لوصول المستبد.
في الحالة الطبيعية غالبًا ما يتجه الاستبداد بخط إزاحي من الفرد إلى الفرد، حتى وإن كان بإطار جماعي، لأن الحركية صادرة من خلال (أنا) مشبعة أو متقمصة للقيادة عاجلاً أم آجلاً، ومن هنا يصبح من الصعب أن يتحرك في حالة تعددية، خصوصًا إذا ما كان لكل جزء من هذه التعددية ذات الإمكانات والنفوذ، قد يحدث بصورة جماعية، لكنها مؤقتة، وتنتهي بعد عمليات متكررة من الكر والإقصاء إلى الفرد.
من ضمن الهواجس التي رأيتها بعد الحملة على أصحاب المحتوى السيئ، هو التخوف من مستقبل هذه الخطوة، لأنها قد تكون البداية لربط كل ما هو مخالف للسلطة بهذه التهمة أو غيرها، مما قد تكون النهاية بالمحصلة تعسف وتضييق والخ… من دلالات الاستبداد، بالإضافة لعدم وضوح المعايير المحددة إلى كون هذا المحتوى سيئ من غيره، وهذه النقطة بالذات تحتمل وجهين فهي إلى حد ما صحيحة إذ تركت إلى مزاجية السلطة في التعامل، وهي خاطئة عند النظر إلى الدستور فيما يخص مقيدات النظام العام والآداب العامة، نزولاً لبعض القوانين كقانون العقوبات وبالتحديد أكثر المواد المدرجة تحت عنوان الفعل الفاضح المخل بالحياء وعلى سبيل المثال (المادة 401, 403, 404), والأمر بالمحصلة متروك لخبراء القانون.
وفي العودة لموضوع المقال, فأن طبيعة النظام السياسي في العراق, القائم على أساس توزيع السلطة مكوناتيًا, المفضي إلى تعدد مراكز القوة داخليًا, يؤدي إلى صعوبة في ظهور الاستبداد المتعارف عليه, لأن أي إجراء سيتخذ سيواجه عقبة التصيد والمتاجرة السياسية مسبقا لغرض كسب ود المزاج العام, لأن هذا التعدد في مراكز القوى أدى أيضًا إلى حصول انشطارات في هذه الأجزاء جعلت هذا الجزء نفسه يتحرك في أفق متذبذب خاضع لتقلب مساحة النفوذ بين جزئياته المتفرعة منه, كما إن هذا الوضع وغيره من الأسباب أدت إلى حصر هذا النظام بالزاوية الدولية بشكل أكبر من المعتاد، مما يعني محاولات مستمرة للتماشي مع المتطلبات الدولية، ومعاييره الليبرالية المفترضة, كل ذلك يشكل مانع وقتي من ظهور الاستبداد ولو على المدى القريب والمتوسط, ما أود الإشارة إليه أن تشخيص الاستبداد من هذا المنطلق نراه غير صائب, لإنه يقفز من الواقع العراقي إلى التنظير والمقارنة التاريخية, من خلال استحضار بعض النماذج, مع تجاهل غير مبرر للخصوصية الاجتماعية والسياسية للبلد, لكن نواة الاستبداد متواجدة كفكرة جماعية قد تتقاسمها السلطة والشعب على حد سواء, وقد يكون الأخير هو الأكثر احتضانًا لهذه البذرة بتأثير مباشر وغير مباشر من الأُولى أي (السلطة), وهذا ما قصدته من مقدمة المقال, من أن استمرار حالة اللاستقرار السياسي وما ينتج عنه من حالات انفلات اجتماعية وأمنية, يؤدي إلى تراكم القناعة في نفسية المجتمع بالقوي المستبد كحل جذري، هذا يقودنا بالمحصلة إلى أن نقول، بأن الاستبداد إن ظهر، لن تكون سببه هذه الخطوة أو غيرها، بل تكمن المشكلة، بهذا الوضع ككل، النظام السياسي ومايعتريه من مشكلات، الحالة القلقة للمجتمع من نواح متعددة، هذه الأمور وغيرها ستشكل تراكمات مستقبلية قد تؤدي بصيغة أوبأخرى لظهور الاستبداد، مع التذكير إن الرغبة الداخلية الحالية للفرد العراقي تتجه إلى هذه النتيجة.