العالم في طور توديع المسَلّمَات .. ومعالم النظام العالمي الجديد تطرح نفسها بقوة وأخرى تلوح في الأفق.. الجزء 2
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بيقية الحديث … لكن ، يبدو أن العالم الجديد قد دخل في عهد مخاض قوي بدأت رياحه تجري بما لا تشتهيه أطماع هذه القوى الاستعمارية السليطة ومطامحها الخبيثة ، التي واجهتها صحوة المستضعفين ، لينقلب السحر على الساحر ، وفاجأتها انتفاضتهم العارمة التي أذكتها مقاصد قوى أخرى تحاول التربع على عرش قوى التحكم الدولي والصناعة والاقتصاد العالميين مثل الصين وروسيا و…
وقد بدأت بعض الأحداث في تحديد معالم النظام العالمي الجديد بشد حبل القوى الذي انخرطت فيه عدة أطراف بدات تلعب دور الفاعل القوي والبارز والمؤثر على الواقع السياسي والاقتصادي والصناعي ، خاصة الصناعة الحربية ، كإيران مثلا وكوريا الشمالية بقيادة روسيا والصين ، هذه الأخيرة التي بادرت إلى خلق حلف شرقي يتمثل في الدول المذكورة منذ قليل ، ومحاولة إلحاقها بمعسكرها إلى جانب معسكر روسيا لتكوين تحالف قوي وكامل ومتكامل في كل مقومات القوة التي يمكن بفضلها السيطرة على الوضع العالمي وسحب بساط الصدارة والتحكم من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة ، هذه الأخيرة التي ظهر عليها بعض التقهقر والتراجع في ميزان القوى في مناسبات عديدة أكدت على ذلك وخاصة بعد انسحابها من أفغانستان لحساب طالبان بصورة ملفتة للنظر ، وواضعة علامات استفهام كبيرة حول هذا الموقف الغريب ، دون أن تفكر في مصير من كان لها سندا ليصبح تحت رحمة طالبان ، بالإضافة إلى موقفها المتذبذب في الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا ، هذه الحرب التي جرعت أوروبا كأسا مزاجها الحرمان من مصادر الغذاء ، بحيث كانت كل من روسيا وأوكرانيا تمثلان سلة وافرة للمنتوجات الفلاحية المتنوعة وخاصة الحبوب ، ومصدرا وفيرا أيضا للطاقة كالغاز والبترول اللذين تعتمد عليهما أوروبا في تحريك عجلة الاقتصاد والخدمات الاجتماعية كالتدفئة والطبخ وغيرهما ، فتولدت بافتقادهما ، الغاز والبترول ، ازمة خانقة لدى الأوروبيين أدت إلى اختلال توازن الاقتصاد والصناعة والامن ، بحيث ثار المواطنون ضد هذا الوضع المتازم ، وأخذوا يعبرون عن رفضهم دخول دولهم في هذه الحرب الروسية الاوكرانية ، التي رأوا انها لا تعنيهم ، بما أن استمرارها لن يزيد إلى في تعميق الأزمة التي ينكوون بتبعاتها ، فخرجوا إلى الشارع معبرين عن رفضهم لبادرات مسؤوليهم الذين اتهموهم بالتقصير في توفير الأمن والامان الاجتماعيين والتوجه نحو ما لا يخدم مصلحة بلدانهم ، بدل الانكباب على التفكير مليا في إيجاد حلول مناسبة للرفع من مستوى عيش شعوبهم وتوفير وضمان العيش الكريم والرغيد لها وما يجعلها تحس بالاستقرار والامان .
فكانت القطرة التي تفيض الكأس ، وأثارت بعض الملفات وأخرجتها من الرفوف لتنفض عليها الغبار من مشاكل اجتماعية كانت موضع الشارع الفرنسي ، على سبيل المثال لا الحصر ، حين خرج أصحاب الصدريات الصفراء يطالبون بتحقيق عدد من المطالب والحفاظ على بعض المكتسبات التي خرج أغلبية الفرنسيين إلى الشارع يرفضون فرض الدول لتغييرات بها كقانون سن التقاعد وتغيير انطلاق فعاليته من 62 سنة غلى 64 ، فأدى ذلك إلى اصطدامات قوية بين المتظاهرين ورجال الأمن ، ولازالت تتصاعد المواجهات ورد فعل الجهتين ، بحيث تم تكسير وحرق سيارات الشرطة ورمي القمامات وسط الشوارع وحرقها ، لتستمر المظاهرات وتزيد حدتها مختزلة موقف الشعب الفرنسي في عدة مطالب تزيد من تعميق الهوة بينهم وبين المسؤولين عن تسيير البلاد ، ولتتسع رقعة الانتفاضة إلى دول أوروبية أخرة كإيطاليا والمانيا وغيرهما للضغط على الرأي العام الاوروبي وإرضاخه لمطالب المواطنين الخاصة المتمثلة في توفير العيش الكريم لهم ، والعامة التي يطالبون فيها بإيقاف الحرب الروسية الاوكرانية التي لن تجر وراءها إلا البلاء والتي ستأتي على الاخضر واليابس … وللحديث بقية.