العالم في طور توديع المسَلّمَات .. ومعالم النظام العالمي الجديد تطرح نفسها بقوة وأخرى تلوح في الأفق.. الجزء 3
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … وتجدر الإشارة إلى ان هذه الاوضاع ، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، قد دفعت إلى هجرة العديد من الأوروبيين في طوابير طويلة ، خاصة الفرنسيون ، إلى دول أخرى ككندا وشمال إفريقيا ، هروبا من الوضع المزري الذي اضحت عليه بلادهم ،مما يدل على الهشاشة المقنعة التي تعيش عليها دول الغرب لولا بعض مصادر الثروة والابتزاز المكرس في حق العديد من دول العالم الثالث التي تقوم باستحمارها وابتزازها وشفط خيراتها وتحويلها إلى مصدر لغناها وتطور صناعاتها واقتصادها وقوتها العسكرية والضغط على الدول المستضعفة بطريقة أو بأخرى للرضوخ لأوامرها الاستعمارية والتعسفية لنهب خيراتها كما يحلو لها دون حسيب ولا رقيب .
لكن الوضع الاخير كان كافيا لفضح هذه الهشاشة الواضحة والتي لم تستسغها شعوبهم الغربية ففضلوا هجرة بلدانهم والرحيل عنها هروبا من الواقع المزري الذي تحولت فيه بلادهم من جنة كان يضرب بها المثل ووصفت بالفردوس وأرض النجاة والنعيم لتتحول إلى جحيم بسبب ما تعيشه أوروبا في الايام الاخيرة وبسبب الحرب التي يخافون اشتعال فتيلها وانتشار حرائقها ودمارها بأراضيهم ، وخاصة بعد تهديد روسيا لكل من ساهم في تزويد اوكرانيا بالأسلحة ضدها أو ناصرها وأيد موقفها من قريب أو بعيد .
وخاصة تحكمت ما تمكننا من ملاحظته من مخاض غريب وعسير ينتج عنه العجب فيما يخص المولود أو المواليد الجديدة التي بدأت تظهر معالمها في تشكيل تكثلات سريعة بين دول يظهر أنها انسلخت من واقع التكثلات السابقة ضاربة إياها عرض الحائط بحثا عن مصالحها الخاصة وضمانا لاستقرارها الاقتصادي والسياسي ورغبة في تقوية مكانتها الاستراتيجية والأمنية ، موضحة رغبتها في الانتماء إلى مجموعة ” البريكس” “BRIX” المكونة من خمس دول وهي روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ، حيث تبلغ قوتها المالية 31 فاصل خمسة بالمائة مقارنة بثلاثين فاصل سبعة بالمائة للمجموعة الاقتصادية للدول السبع “G7” التي تضمّ الولايات المتحدة الامريكية ، المملكة المتحدة ، ألمانيا ،فرنسا ، كندا ، إيطاليا واليابان ، لكن مجموعة البريكس تعمل جاهدة على استقطاب العديد من الدول الاخرى التي تقدر ب 13 دولة في انتظار تأكيد رغبتها رسميا في الالتحاق بالمجموعة الاخيرة وهي الارجنتين والمكسيك وإيران والجزائر والعربية السعودية في انتظار التحاق دول أخرى كمصر ونيجريا والعربية السعودية وغيرها ، مما سيزيد من قوة البريكس وقيمتها الاقتصادية والمالية ليقلب الموازين ليشكلوا قطبا قويا بكل ما في الكلمة من معنى وذلك لما تتوفر عليه هذه الدول من إمكانيات مالية وثروات هائلة ، كثيرة ومتنوعة ومواقع استراتيجية مهمة ،
كل هذا ينبىء بأن العالم بات في طور توديع المسَلّمَات وأن الأحداث الجديدة بدأت تطرح نفسها بقوة للتفتق عن معالم أخرى بدأت تلوح في الأفق القريب … لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : هل هذا التغيير العالمي الكبير سيكون إيجابيا ويعود على البشرية بالنفع ؟ ام أننا سنبدل مكتسباتنا بما لا يحفظ كرامتنا ويحقق طموحاتنا وتطلعاتنا … وللحديث بقية .