جريدة النشرة : مجموعة البنك الدولي
أثرت الصدمات غير المسبوقة على نظام الغذاء العالمي، في السنوات القليلة الماضية، تأثيرا شديدا على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ونظرا لأن المنطقة مستوردة للمواد الغذائية بالصافي، فقد تأثرت تأثرا شديدا بتغير المناخ (لاسيما زيادة شح المياه)، وهي معرضة بشدة لصدمات السوق العالمية التي عطلت سلاسل الإمداد، ودفعت أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية، وأدت إلى أزمة انعدام الأمن الغذائي. وكان المزارعون والفئات الأكثر احتياجا من بين الأكثر تضررا، مما يهدد بآثار طويلة الأمد على الصحة وسبل كسب الرزق.
واستجاب البنك الدولي بسرعة لهذه الاحتياجات، حيث قدم ما يقرب من مليار دولار للبرامج الطارئة التي تدعم من يواجهون انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبالنظر إلى المستقبل، يعد بناء أنظمة زراعية وغذائية قادرة على الصمود في مواجهة الصدمات، أولوية قصوى في المنطقة. الأمر الذي يتطلب الاستثمار والعمل على مستوى العديد من الجبهات والقطاعات؛ من الزراعة الذكية مناخيا، وإزالة التشوهات في أسواق الغذاء، وإصلاح أنظمة الدعم، والاعتماد على الأسواق المالية لضمان التصدي لمخاطر المناخ والكوارث وإدارة المياه، إلى تنمية الصناعات الزراعية، وزيادة معدلات النمو في الوظائف الخضراء.
والبنك الدولي شريك ملتزم للبلدان والشعوب التي تدفع عجلة هذا التحول إلى الأمام. وهذه قصة نجاح يرويها مزارعون ومهندسون ومبتكرون، من اليمن والأردن والمغرب ومصر، حول ما يفعلونه لضمان أن يظل الغذاء نعمة مستدامة للناس والكوكب، لأنه مصدر الحياة.
اليمن: من مجرد البقاء إلى رغد العيش
وقام مزارع الخضروات زيد صالح الدربي بتحويل مزرعته التي واجهها العديد من الصعوبات، إلى نموذج يحتذى به في الإنتاجية.
ومن خلال دعم البنك الدولي في إطار المشروع الطارئ لتعزيز الحماية الاجتماعية والاستجابة لجائحة كورونا في اليمن، حصل زيد على مستلزمات أساسية وضرورية مثل نظام الري بالتنقيط الذي يستخدم كميات أقل من المياه، وشبكات المظلات لحماية محاصيله، ومولد كهربائي، وأسمدة.
كما ساعد التدريب على الممارسات الزراعية السليمة على زيادة إنتاجية محاصيله وإحداث تحولات جذرية في سبل الحصول على الدخل لنفسه ومن يعملون معه.
ويقول زيد في هذا الصدد “الأمر ليس مجرد مستلزمات، ولكنها المعرفة والمهارات التي غيرت حياتنا، ولقد تعلمنا كيف نتحول من مجرد البقاء إلى رغد العيش”.
يجد المزارعون في اليمن، والذي عانى سنوات من الصراع، طرقا مبتكرة لإنتاج الغذاء لأنفسهم ولمجتمعاتهم، على الرغم من العقبات الكثيرة التي تواجههم. وقام مزارع الخضروات زيد صالح الدربي، بتحويل مزرعته التي واجهها العديد من الصعوبات، إلى نموذج يحتذى به في الإنتاجية.
ومن خلال مساندة البنك الدولي في إطار المشروع الطارئ لتعزيز الحماية الاجتماعية والاستجابة لجائحة كورونا في اليمن، حصل زيد على مستلزمات أساسية وضرورية؛ مثل نظام الري بالتنقيط الذي يستخدم كميات أقل من المياه، وشبكات المظلات لحماية محاصيله، ومولد كهربائي، والأسمدة، وكلها مستلزمات ضرورية حتى يمكن لمزرعته أن تتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة. وإلى جانب ذلك كان للتدريب على الممارسات الزراعية السليمة، أثر كبير على زيادة إنتاجية المحاصيل وسبل الرزق لزيد.
ويقول زيد “الأمر ليس مجرد مستلزمات، ولكنها المعرفة والمهارات التي غيرت حياتنا، لقد تعلمنا كيف نتحول من مجرد البقاء، إلى رغد العيش”، وأضاف زيد قائلا “الغذاء مصدر الحياة”. وتقع مزرعة زيد في جهران بمحافظة ذمار على بعد حوالي 100 كيلومتر من مدينة صنعاء التاريخية في اليمن..
وتعتبر جهود مواطنين مثل زيد، بالغة الأهمية في اليمن، حيث يواجه ملايين الناس الجوع على نحو مستمر. ويتضمن نهج البنك الدولي في اليمن، تقديم يد العون والمساعدة على الفور للسكان، مثل التحويلات النقدية والمساعدات الغذائية، فضلا عن الاستثمارات الأطول أجلا لبناء خدمات وأنظمة قادرة على الصمود، مثل الإنتاج الزراعي. ومنذ عام 2016، قدم البنك الدولي أكثر من 3.7 مليارات دولار، في شكل منح من المؤسسة الدولية للتنمية، للمساعدة في تحسين الأحوال المعيشية للسكان في اليمن، في إطار شراكات مع وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات المحلية.
الأردن: تطبيق ممارسات زراعية مستدامة لتعزيز
الأنظمة الغذائية
وهنا تجدر الإشارة إلى السيدة لينا مدلبوح وهي فلاحة أردنية تلقت تدريبا في مجال الزراعة المائية والهوائية، من خلال مشروع “تعزيز قدرة قطاع الزراعة على الصمود وتنمية سلسلة القيمة والابتكار” المعروف باسم أرضي الذي يدعمه البنك الدولي.
ومن خلال استخدام المياه بدلا من التربة، تمكنت من إنتاج محاصيل عالية الجودة وعالية الكثافة من خلال الزراعة المائية.
وهذا الأسلوب الجديد يحد من استهلاك المياه بنسبة 80% ويوفر لأسرتها أيضا فرص عمل ويفيد المجتمع المحلي.
يقدم البنك الدولي الدعم إلى الأردن، وهو يتبع نهجا متعدد الجوانب لتعزيز قدرة نظامه الغذائي على الصمود في وجه الصدمات. ويشمل ذلك استثمارات جديدة في الإنتاج الزراعي الذكي المراعي للظروف المناخية لخلق فرص عمل، وبناء قدرات جيل جديد من المزارعين والمتخصصين الزراعيين لقيادة أساليب الزراعة المتسمة بكفاءة في استخدام المياه ومقاومة تغير المناخ؛ ومواصلة اعتماد الممارسات الجيدة والابتكارات. ويتسق كل هذا مع الإستراتيجية الوطنية الجديدة للأمن الغذائي في الأردن.
ومن الأمثلة على هذا العمل الجاري، مشروع “تعزيز قدرة قطاع الزراعة على الصمود وتنمية سلسلة القيمة والابتكار” المعروف باسم أرضي، الذي يدعمه البنك الدولي، وقد تم إطلاقه في أوائل عام 2023 لتوفير التمويل لنحو 30 ألف أسرة زراعية، بهدف تطبيق ممارسات زراعية مراعية للمناخ. ويعتمد مشروع أرضي على المشروع التجريبي الجاري القيام به لاستكشاف أساليب الزراعة عالية القيمة، التي تتسم بالشمول الاجتماعي والكفاءة في استخدام المياه، بهدف تشجيع نموذج المؤسسة الاجتماعية المبتكرة لإنتاج الفاكهة والخضروات التجارية في المناطق المهمشة، باستخدام تكنولوجيا الزراعة المائية عالية الكفاءة في استخدام المياه.
ومن المتوقع أن يوفر مشروع أرضي حوالي 12 ألف فرصة عمل، لاسيما للنساء والشباب. وتشمل أنواع الأنشطة التي سيدعمها المشروع، الأمثلة الموضحة أدناه التي تدعمها بالفعل وزارة الزراعة.
ومن هذه الأمثلة، السيدة لينا مدلبوح، وهي فلاحة أردنية تلقت تدريبا في مجال الزراعة المائية والهوائية، تقول “لقد اكتسبت خبرة قيّمة في مواجهة التحديات وإيجاد الحلول”.ومن خلال استخدام المياه بدلا من التربة، تمكنت لينا من إنتاج محاصيل عالية الجودة وعالية الكثافة من خلال الزراعة المائية. وتقلل هذه التقنية الجديدة من استهلاك المياه بنسبة 80%، وزادت بشكل كبير من إنتاجية المزرعة، مما أفاد عائلتها والمجتمع المحلي من حولها.
أما فاطمة أبو عقليق، ابنة الاثنين والعشرين عاما، والتي تخرجت في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، فقد تدربت على الزراعة المائية وتربية الأسماك، وتعمل حاليا في مشتل فيصل في جرش، وهي منطقة خصبة تنتشر فيها التلال والسهول، شمال غرب عمان. وقالتفاطمة: “لقد وفر التدريب العديد من الفرص وفتح لي أبوابا واسعة”، كما أنها توظف مهاراتها الجديدة في العمل على تحويل العناصر الغذائية التي تنتجها الأسماك إلى سماد غير كيميائي للنباتات.
ولينا وفاطمة من جيل شاب من المزارعين الذين يتبنون ممارسات مبتكرة لبناء أنظمة غذائية مستدامة، ستحقق النتائج المرجوة، في الوقت الحالي وتستمر في المستقبل.
المغرب: الحفاظ على الأرض للأجيال القادمة
وأفادت فاطمة الزهراء، التي تمارس أسرتها الزراعة منذ ثلاثة أجيال في منطقة مكناس ، بأن حياة الفلاح أصبحت أكثر صعوبة مع موجات الجفاف التي تحدث حاليا مرة كل ثلاث سنوات بدلا من خمس سنوات.
وفي يوليو/تموز 2023، وافق البنك الدولي على برنامج جديد بقيمة 350 مليون دولار لتعزيز الأمن المائي والقدرة على الصمود في المغرب.
وتعمل فاطمة على تكييف مزرعة أسرتها باستخدام الري بالتنقيط، وزراعة بذور مقاومة لتغير المناخ، واختيار المزيد من المحاصيل التي تتطلب كميات أقل من المياه.
وتقول فاطمة: “لا يمكن إنكار أثر تغير المناخ على الأمن الغذائي للمغرب، بل وعلى النظام الغذائي العالمي، ونحن كفلاحين ندرك هذه الحقيقة ونتبنى بشكل متزايد أساليب إنتاج قادرة على الصمود بهدف التكيف وحماية أنشطتنا الفلاحية”.
ويعمل في المزرعة 14 عاملا دائما وأكثر من 80 عاملا موسميا خلال وقت الحصاد.
وفي هذا تقول فاطمة “هذه الأرض أرضنا وعلينا الحفاظ عليها للأجيال القادمة”.
هناك أراضي زراعية كبيرة في المغرب تأثرت بشدة بتغير المناخ. وأدت موجات الجفاف المتتالية، مع عواصف شديدة غير متوقعة، إلى تسريع وتيرة اعتماد أساليب جديدة للفلاحة وإدارة الموارد المائية. ويدعم البنك الدولي المغرب، من خلال مجموعة من البرامج لمواجهة التحديات التي تواجهه.
وهناك 3 مشروعات وبرامج أخرى، هي برنامج “تعزيز سلاسل القيمة الغذائية الزراعية ومشروع الجيل الأخضر باستخدام أداة تمويل البرامج وفقاً للنتائج”، ومشروع إدارة الموارد المائية القادرة على الصمود والمستدامة في الفلاحة، وكلها تعمل على تشجيع الاستثمار في قطاع الأغذية الزراعية، وخلق فرص عمل إضافية لاسيما للشباب، وزيادة الدخول في المناطق الريفية، وزيادة القيمة المضافة لهذا القطاع، فضلا عن تنمية صادرات الأغذية الزراعية، وزيادة القدرة على الصمود في مواجهة العديد من الأزمات. وتحققت نتائج مبهرة في إطار برنامج تعزيز سلاسل القيمة الغذائية الزراعية، مع قرب اكتمال بناء سوق الجملة الجديد في الرباط ، والآثار الإيجابية في سلاسل القيمة الحيوية؛ على سبيل المثال تعبئة وتصدير 765,684 طن من فواكه الحمضيات في عام 2022 (مقابل 566,800 طن في عام 2017)، بالإضافة إلى 100,937 طن من الزيتون (مقابل 73,129 طن في عام 2017) و 14,130 طن من زيت الزيتون عالي الجودة (مقابل 10 آلاف طن في عام 2017).
ويدعم برنامج الجيل الأخضر العديد من الأنشطة؛ منها إنشاء مراكز إقليمية لتعزيز توظيف الشباب في قطاع الأغذية الزراعية، وتحديث 4 أسواق للجملة، وتطوير الأدوات الرقمية لتحسين فرص العمل وكفاءة سلاسل القيمة (على سبيل المثال كفاءة استخدام المياه).
ويعمل مشروع إدارة الموارد المائية القادرة على الصمود والمستدامة في الفلاحة، على تحديث أساليب الري والصرف، ودعم إدارة المياه، وتقديم المشورة الزراعية للفلاحين، الذين يواجهون موجات حرارة وجفاف شديدة، تزيد من الضغط على موارد المياه المحدودة بالفعل.
وتقول فاطمة الزهراء، التي تعمل أسرتها في الزراعة منذ ثلاثة أجيال في منطقة حزام الحبوب في مكناس ، أن حياة الفلاح أصبحت أكثر صعوبة بسبب موجات الجفاف، والتي تحدث حاليا مرة كل ثلاث سنوات، بدلا من خمس سنوات.
وتعمل فاطمة على تكييف مزرعة أسرتها باستخدام الري بالتنقيط، وزراعة بذور مقاومة لتغير المناخ، واختيار المزيد من المحاصيل التي تتطلب كميات أقل من المياه. وقالت فاطمة التي يعمل بمزرعتها 14 موظفا دائما، ولديها أكثر من 80 عاملا موسميا خلال موسم الحصاد “لا يمكن إنكار أثر تغير المناخ على الأمن الغذائي للمغرب، بل وعلى النظام الغذائي العالمي،ونحن كفلاحين ندرك هذه الحقيقة، ونتبنى بشكل متزايد أساليب إنتاج قادرة على الصمود، بهدف التكيف وحماية أنشطتنا الفلاحية، فهذه الأرض أرضنا وعلينا الحفاظ عليها للأجيال القادمة”.
مصر: القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات
وبدون منشآت تخزين حديثة، يمكن أن يصل الهدر في سلسلة إمداد القمح إلى 40%.
وبمساعدة مشروع البنك الدولي الطارئ لدعم الأمن الغذائي والقدرة على الصمود، تجري توسعة 7 مجمعات لصوامع القمح بالإضافة إلى بناء صومعتين جديدتين.
وتبلغ سعة صومعة أسيوط للمواد الغذائية حوالي 60 ألف طن وتستقبل حوالي 200 طن من القمح في الساعة.
وستؤدي هذه التوسعة، من خلال مساندة البنك الدولي، إلى زيادة إجمالي سعة التخزين إلى 100 ألف طن وتوفير فرص عمل للعمالة المؤقتة وتأمين الغذاء للمصريين.
يتطلب بناء القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات اتخاذ إجراءات في مختلف مراحل سلسلة إنتاج الغذاء، وقد اتبعت الحكومة المصرية نهجا متعدد الجوانب. ويتمثل أحد العناصر الأساسية لهذه الإستراتيجية في تحسين وتوسيع سعة تخزين الحبوب. وسيساعد ذلك على الحد من الهدر والفاقد في منظومة إنتاج الغذاء، وضمان استمرار توافر القمح على نحو منتظم، لاسيما في مواجهة الصدمات الخارجية.
ويأتي المشروع الطارئ لدعم الأمن الغذائي والقدرة على الصمود للبنك الدولي في إطار هذه الجهود الرامية إلى توسيع وتجديد صوامع الحبوب الغذائية في مصر. وتعد صومعة أسيوط في الصعيد، أولى الصوامع التي يجري توسيعها في إطار هذا المشروع، الذي يتضمن رفع كفاءة وتوسيع 7 صوامع وبناء صومعتين جديدتين. وفي صومعة أسيوط، ستزيد سعة التخزين من المستوى الحالي البالغ 60 ألف طن من الحبوب، إلى 100 ألف طن سنويا.
ويقول أحمد حسين إبراهيم، مدير صوامع أسيوط “سيساعدنا هذا بالتأكيد في الحصول على أكبر كمية من القمح من التجار والمزارعين وشركات القطاعين العام والخاص دون الحاجة إلى استئجار صوامع إضافية أو مخازن خارجية”، وأضاف قائلا:”ستؤدي زيادة سعة الصومعة أيضا إلى زيادة فرص العمل في المنطقة”.
والخبز هو الغذاء الأساسي في مصر، لذلك دعم مشروع البنك الدولي للأمن الغذائي، برامج دعم الخبز التي توفر لنحو 70 مليون مصري من محدودي الدخل الخبز باستمرار.