
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … لقد تتبع العالم مخلفات الكارثة التي حلت بالمغرب جراء زلزال الحوز الذي ذهب ضحيته ما يفوق 3000 مسجلا من الموتى والمفقودين بسبب انهيارات المنازل والمساجد وغيرها من البنايات وبعض جنبات الجبال والمرتفعات والصخور ، ناهيك عن عدد من الأسر التي تعيش منذ الحادث الرهيب التشرد والمبيت في العراء ونقص في الموارد الغذائية والتزود بالماء والدواء ، رغم المجهودات الجبارة التي قامت بها الدولة بتعليمات جلالة الملك بالتدخل السريع عن طريق أجهزة الدولة الرسمية كالجيش والسلطات المحلية والدرك الملكي والقوات المساعدة والأمن الوطني والوقاية المدنية ووزارة الصحة … بالإضافة إلى العمل التطوعي الجبار الذي قام به المجتمع المدني جمعيات ومواطنين في ملحمة تضامنية مع المتضررين من الزلزال والتي رسمت صورة حقيقية لمدى تشبث المغاربة بالخصال الحميدة التي تربوا عليها وترعرعوا في أكنافها من كرم وتضحية وتعاون وتكافل بينهم في مثل هذه المواقف حين هبوا لمساعدة إخوتهم المنكوبين ، كل حسب إمكانياته ، ليسدوا الخصاص وينقدوا ما يمكن إنقاده .
إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور بعض الهفوات والاختلالات في عمليات التدخل هذه التي طبعتها صور من الفوضى والعشوائية حالت دون تحقيق نتيجة إيجابية وأهداف مقبولة لتنتج عنها تبعات العبث الواضحة ، وذلك راجع لعدة عوامل تعود لكارثية الحدث وقوة وقوعه وفجائيته والارتجالية الكبيرة والواضحة التي تم اعتمادها في التعامل مع الحدث وسوء التدبير الذي تم تكريسه في مواجهة الواقعة الكارثية ، مما جعل البوادر السلبية لكل ذلك تأخذ في طرح نفسها بقوة خلال عمليات التدخل و الإنقاذ ، بحيث تم إغفال عدة دواوير منكوبة من أي عملية تدخل ومساعدة وبقي سكانها يلاقون مصيرهم المحتوم لوحدهم ، كما أن الدواوير التي تم الوصول إليها وحظيت بالمساعدات المختلفة ، عانت هي أيضا من العديد من المشاكل بسبب العشوائية والارتجالية التي تم اتباعها من طرف المسؤولين وعلى رأسهم السلطات المحلية من عمال وقياد وأعوان سلطة الذين لم يكونوا في مستوى الحدث من حيث التنسيق ومتابعة عمليات إحصاء المتضررين وتدبير شؤونهم ، مما خلق تذمرا لدى المنكوبين وجعلهم يعبرون عن استنكارهم لذلك .
ويظهر العمل الارتجالي في مواجهة الكارثة في عدة أوجه الفساد الذي يجعل كل هذه المجهودات الجبارة للدولة تذهب سدى ولا تحقق الأهداف المتوخاة منها ، بل يتسبب في خلق عدة مشاكل أخرى ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما تم تبنيه كفكرة وحل مؤقت لإيواء المنكوبين في خيام لا تتماشى مع طبيعة المناطق المنكوبة ولا يمكنها أن تتحمل صعوبة المناخ وخطورة العواصف والأمطار والثلوج التي تتميز بها مناطق الجبال العالية ، فجاء الجواب سريعا وقبل انطلاق موسم الشتاء ، حيث عرفت المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية هطول أمطار خفيفة فضحت ضعف هذه الاستراتيجية المتبعة في إيواء المنكوبين والتي أثارتها جهات المجتمع المدني عديم التجربة والذي طن أنها نزهة بين أحضان الطبيعة في أيام ربيعية أو فسحة في غابة وبين المروج لأيام قليلة أو اصطياف في أيام صيفية على الشواطئ او بإحدى مواسم التبوريدة وغير ذلك ، وعدم تمكن هذه الاستراتيجية العشوائية من تأمين مساكن آمنة لهؤلاء المواطنين الذين وجدوا نفسهم تحت سيول من مياه الأمطار التي تهدد أمنهم وحياتهم وجميع ممتلكاتهم المتبقية ، وتهديد أيضا كل ما تمكنوا من الحصول عليه من طعام وشراب خلال حملات المساعدة ، مما يجعلهم في موقف لا يحسدون عليه ، وهم متخوفون من الوضع الكارثي الذي يمكن أن يحذق بهم عند وصول فصل العواصف والأمطار القوية والثلوج التي لم ترحمهم سابقا وهم بين جدران بيوتهم ، كما كانوا يعانون سابقا ، فكيف سيكون مصيرهم وهم تحت خيام لا حول ولا قوة لها ، مع هذا الوضع الجديد والطقس الذي لا يرحم ، رغم أن قائد البلاد قد أمر بالتدخل لتوفير مساكن تحفظ لهؤلاء المواطنين كرامتهم وتؤمن حياتهم وحياة دوابهم وتجعلهم يمارسون أنشطتهم اليومية بطريقة عادية . لكن كيف سيكون مصيرهم خلال الوضع الراهن ؟ ولماذا لم يفكر المسؤولون في حلول مناسبة في انتظار توفير هذه المنازل ، كإيواء هؤلاء المنكوبين ببعض المؤسسات التعليمية او الداخليات أو القاعات الرياضية أو الفنادق أو غيرها بالمدن القريبة واعتماد ما رصدته الدولة من أموال طائلة وما يجب اعتماده وصرفه من الأموال التي راكمها صندوق الكوارث الطبيعية لمثل هذه الظروف الصعبة ، في حين أن رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش في إحدى خرجاته المحتشمة والناذرة كان قد تكهن بوجوب انتظار مقترح بناء مساكن المنكوبين إلى غاية سنة ونصف أو ما يزييييييد ، ليطلب من المواطنين المعنيين أن يقوموا بالتعاون فيما بينهم لإعادة بناء ما تهدم من هذه المنازل ، متملصا من أي مسؤولية في ذلك ، باتباع سياسة التسويف المعهودة فيه ونهج طريقة التماطل ومعنى المثل القائل ” كم حاجة قضيناها بتركها ” في انتظار ما تم تبنيه من أخذ لحلول نهائية بعيدة المنال والتحقق…
فلماذا لا تقوم الحكومة بوضع مخطط يتم من خلاله تكوين عناصر من كل مؤسسات التدخل والحماية والوقاية والعناصر الاحتياطية وإعدادهم لمثل هذه الأحداث والكوارث التي يمكن ان تصيب البلاد والعباد في أي لحظة ، حتى يكون تدخلهم في مستوى تطلعات ملك البلاد والشعب المغربي ، للتخفيف من وطاة تبعات الكوارث على اختلاف أشكالها وأنواعها؟
فقد أظهرت هذه الكارثة الطبيعية ضعف الحكومة الحالية وانعدام رؤيتها الواضحة لمصلحة البلاد والعباد ، وانشغالها بالتفاهات وبالامور البعيدة عن خدة الصالح العام ، مما يوجب إعادة النظر فيها ، لأنها لا ترقى إلى طموحات المواطنين وهذا الوطن العزيز ، الذي لولا تدخلات قائده كل مرة وتتبعه لما يحدث به عن كثب ليصدر أوامره لتصحيح الاوضاع ، لضعنا وضاع الوطن .
فكفى من العبث بمصالح المواطنين وبمصيرهم الذي هو أمانة على عاتقكم ، وكفى من دغدغة عواطفهم والضحك على الذقون ، فقد ولوكم ، والله أعلم ، على مصائرهم ، وجعلوكم ، والله أعلم ، أولياء أمورهم وأملهم في تأمين العيش الكريم لهم لذويهم وخدمة مصالحهم والحفاظ على مكتسباتهم المادية والمعنوية والدفاع عن حقوقهم وضمان الأمن لهم توجيه البلاد نحو وجهة الصلاح ليباركها الله ويحفظها ويرعاها ويسدد خطاها … فهل من معتبر … فعاشت المملكة المغربية الشريفة ، ولا عاش من خانها أو تربص بها وأراد الشر بها … وللحديث بقية .
قم بكتابة اول تعليق