
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … تعرف الاوساط العسكرية الإسرائيلية هذه الايام انتشار ظاهرة انتحار الجنود الإسرائيليين ضحايا صدمة الحرب القائمة بين الكيان المحتل وعناصر المقاومة ، بحيث دخلت هذه المواجهات مرحلة خطيرة اعتمدت فيها إسرائيل المصنفة رابع قوة عالميا من حيث العتاد العسكري المتطور برا وجوا وبحرا واستعمالها للأسلحة المحظورة كالقنابل العنقودية والفسفورية التي تهاجم بها قطاع غزة ومن حيث التقنيات الحديثة التي تتبعها إسرائيل في هذه الحرب التي وصفت بأنها حرب غير متكافئة بين كيان إسرائيل كدولة منظمة في مواجهة جماعة فلسطينية مسلحة تعتمد على اسلحة بسيطة .
إلا أن هذه الجماعات الفلسطينية المسلحة استطاعت ان تلقن درسا قاسيا للعدو المكون من جيوش نظامية تمثل عددا من الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية التي ناصرت دولة إسرائيل بإرسالها لوحدات عسكرية متخصصة مجهزة بأحدث الاسلحة كالمارينز ، بحيث يروج في الاوساط الإعلامية والصحافة الحربية أن الجماعات المسلحة قضت على عناصر جيوش الدول الغربية بمن فيهم الامريكيون والبريطانيون والفرنسيون والإيطاليون … الذين داهموا قطاع غزة برا لتفاجئهم نيران الجماعات الفلسطينية بشكل رهيب تحولت بسببها أجسام الجنود الإسرائيليين ومناصريهم إلى أشلاء فكان مصيرهم القضاء ، مما وقف سدا منيعا في وجه كل من سولت له نفسه الولوج إلى أرضية غزة ، خاصة وان هؤلاء سمعوا زملاءهم منتهيي الصلاحية يقولون أثناء تواصلهم معهم وهم أحياء بأنهم لا يواجهون بشرا بل أشباحا لا يمكن رؤيتها أو تحديد مواقعها
وقد زعمت الدول من خلال تصريحات مسؤوليها ان هذه العمليات الهجومية سيكون هدفها فقط استرجاع أسرى الحرب الذين تمكنت جماعة حماس من القبض عليهم خلال عملية طوفان الاقصى ، وقد تنبهت حماس إلى الامر فقامت بإزالة شرائح “ج ب س” التي قامت إسرائيل بوضعها تحت جلود جنودها هؤلاء الذين تم اختطافهم من طرف المقاومة كرهائن ، وعملت الحركة على تجميعها في مكان ما بغزة لإيهام الجيش الإسرائيلي ، الذي تتبع قواته مكان تواجد الشرائح ، ظنا منها أن الراهائن مجتمعين في هذا المكان ، فأرسلت طائراتها الحربية المتطورة لتقصفه ، فإذا هو مكان فارغ تماما ، لتنطلي لعبة الجماعات الفلسطينية على مسؤولي أكبر الجيوش الغربية وعلى رأسها الجيش المصنف الاول عالميا وهو جيش الولايات المتحدة الامريكية .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الخطة الإبادية التي أقدمت عليها إسرائيل بتعاون مع دول الغرب ، هي خطة إجرامية كادت أن ترتكبها في حق الرهائن ، لو لم يتنبه الفلسطينيون إلى ذلك ، لأن هذا الهجوم كان سيودي بحياة هؤلاء ، مما يوضح جليا النوايا الخسيسة والسيئة لمسؤولي الكيان المحتل ومن يساندهم ، دون إعطاء اي اعتبار لمواطينهم سواء المدتيين أو العسكريين يذوذون على الكيان الصهيوني ويضحون بأرواحهم وسعادة أسرهم .
وهكذا نجد أن هذه الحرب قد استطاعت جماعات المقاومة الفلسطينية من خلالها أن تقض مضجع مواطنيها الذين هبوا لمغادرة إسرائيل وفقدوا التقة في مسؤوليهم ، كما حدثت هناك انقسامات في صفوف ممثليها الحزبيين والبرلمانيين ، وابتليت مؤسستها العسكرية بالتفرقة والعصيان الكبير لدرجة أن العديد من المسؤولين العسكريين الكبار والذين فاق عددهم الخمسين قائدا وعدة فيالق وعناصر من الجيش يعدون بالمئات يرفضون العودة إلى الخدمة في مؤسستهم العسكرية ، ناهيك عن الجنود المتطوعين ، وذلك لشدة الخوف من الحرب التي تخوضها إسرائيل التي بنت قوتها وهلمانها على أحلام وتصورات كاذبة وأسس هاوية ، ضد الفلسطينيين الذين أذاقتهم الويل لما يفوق السبعين سنة ، وجعلتهم يعيشون في سجن مفتوح ينعدم لأدنى شروط العيش الكريم ، وحرمتهم من الماء والكهرباء ووسائل الاتصال والمساعدات الدولية من غذاء ولباس وأفرشة وأغطية ، وكرست عليهم كل وسائل التعذيب والإبادة ، دون ان تدري وتستوعب أن الفلسطينيين هم جبابرة الزمن وأهل حق سيزهق باطلهم ، وأنهم لن يزيدهم ذلك إلا صمودا وعزة وقوة ، في حين أن ما يقومون به لن يزيد في صفوف جنودكم إلا خوفا وفزعا ولن تجديهم مع ذلك حفاظاتكم ولا إثارة مواطنيكم على الفلسطينيين ، بل العكس ، فهذا لن يزيدهم إلى مثابرة على الجهاد والمطالبة بحقهم التاريخي وعزما وعزيمة ، فينقلب السحر عليكم ويجعل جنودكم يعيشون الويلات وينقلب عليكم مثلما حدث فيما يسمى “صدمة الحرب” هذه التي هم منبهرون تحت وقعها والضغوطات النفسية التي أصبحوا يعيشونها ، والتي سبق أن عاشها جنود الولايات المتحدة ولا زالوا ، بعد حرب الفيتنام وحرب العراق وغيرها من الحروب الجائرة التي شنتها امريكا وارتكبت خلالها الجرائم ثم الجرائم التي لا تغتفر في حق شعوب مسالمة ، فكان الرد قاسيا بحيث اصيب الآلاف من جنودها بعدم الرضا عن ذلك وبحالات من اليأس وعتاب الضمير والإحساس بالمسؤولية في ارتكاب جرائم كبيرة في حق هذه الشعوب المظلومة ومنها القتل والاغتصاب والتعذيب والتنكيل و… الامر الذي ادخل هؤلاء الجنود في حالات نفسية ادت إلى الانتحار والجنون والتشرد … فاللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم .
فكيف للغرب الذي يدعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان أن ينصر هذا الكيان الظالم الغاشم وهو يعلم انه ليس بصاحب حق ؟
وكيف للبلاد العربية التي تعرف أن القضية هي قضيتنا جميعا ونصرتها هي نصرة لنا جميعا وتمثل عقيدتنا التي لا نحيد عنها ، وتصور مصيرنا الذي هو واحد ولا نريد أن يكون كمصير الثور الابيض .
باستثناء بعض هذه الدول التي تجرأت فعلا ، كالشقيقة الجزائر ، التي أخذ رئيسها على عاتقه قضية فلسطين وأكد على انه معها ظالمة أو مظلومة ، لينفضح أمره مباشرة بعد ذلك بأنه يزود إسرائيل بالغاز … وما خفي كان أعظم .
وقد صادفت إحدى الكتابات التي وجدت أنها تعبر عن الوضع ، وأردت ان أشاطرها مع من يجد نفسه أهلا بها وهي كالتالي :
إنها معركة الجميع ..!
في كتاب “العِقْدِ الفريدِ” لابن عبد ربّه : كان أبو يعقوب البويطي من كبار أصحاب الشافعي، وإن الوالي أراد منه فتوى في أمر لا يجوز، فرفض البويطي، فسجنه الوالي؛ فكان وهو في السجن إذا جاء يوم الجمعة، وأذَّن المؤذن، توضأ، ومشى حتى يبلغ باب السجن ..!
فيقول له السجان : أين تريد ..؟ فيقول : أجيبُ داعيَ الله ..! فيقول له: ارجع عافاكَ الله. فيقول أبو يعقوب: اللهم إنك تعلم أني قد أجبتُ داعيكَ فمنعوني.
نحن مسؤولون عن السعي لا عن النتيجة، عن السَّيْر لا عن الوصول، عن القتال لا عن النصر .. نحن نجيب داعي الله بحسب إمكاناتنا وقدراتنا، وكلُّ شيء في هذه الحرب له أثره، فلا تستصغروا ما يمكننا فعله، كلٌّ في مجاله.
لو كانت الصواريخ عبثيَّة، لما جاؤوا بحاملات الطائرات ليساندوا دولة الاحتلال التي زرعوها كالشوكة في حلوقنا ..!
ولو كانت الكتائب مجرد بضعة مسلحين، لما وقفوا على أبواب غزّة خائفين أن يخطوا نحوها خطوة؛ ولو كانت الخطابات لا تُجدي، لما تسمَّروا أمام الشاشات يسمعون كلام المُلثَّم ويحلِّلونه، ولما شعرنا نحن بشيء من العزَّة تدبُّ فينا.
لو كانت المنشورات في مواقع التواصل غير مجدية، لما حذفوها، وقيّدوا الحسابات ..! ولكنها معركة وعي، وصناعة رأي عام، ألم تُشاهدوا الـ “BBC” كيف تكذب، والـ “CNN” كيف تُدلِّس، و”الجارديان” تطرد رسَّامها “ستيف بيل” بعد أربعين سنة من العمل لديها فقط لأنه انتقد إجرام رئيس حكومة الاحتلال برسم ساخر ..؟
هذه معركة أُمَّة كاملة لا معركة غزَّة وحدها، غزّة هي رأس الحربة فقط؛ والمعركة إنما هي معركة عقيدة لا معركة جيوش، والقتال هو قتال وجود لا قتال حدود!. فخُذْ موقعك منها بحسب مجالك، بالمال، والتظاهر، وكتابة المنشورات في مواقع التواصل، وبإسكات التافهين والمتصهينين.. خُذْه بقلبك، قلبكَ أحيانا يكفي، المهم أن تصطفَّ بعواطفك مع أُمَّتكَ، ولا تستهِنْ بما يفعله الدعاء ..!
فالعبرة لمن اعتبر … وللحديث بقية .
قم بكتابة اول تعليق