الهروب الأكبر نحو الفردوس . الجزء 1
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … لا كلام هذه الأيام إلا عن الهروب الجماعي للشباب والاطفال المغاربة انطلاقا من مدينة الفنيدق التي اجتمع فيها حشد غفير يعد بالآلاف آتين من جميع ربوع المملكة الشريفة ، للعبور إلى مدينة سبتة المحتلة من طرف إسبانيا .
ترى ما الذي دفع بهؤلاء الاشخاص إلى المغامرة بحياتهم والتضحية بعائلاتهم وذويهم وأصدقائهم وكل مكتسباتهم وما لديهم من امتيازات وفرتها لهم بلادهم ؟
أم أن هناك ما يدعو هؤلاء إلى التخلي عن كل ذلك والهروب منه في سبيل الالتحاق بما هو في نظرهم أحسن ويستحق هذه التضحية والمغامرة ؟
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه العملية قد سبق أن حدثت بطرق متعددة كالهجرة سباحة وعبر قوارب الموت التي كانت تنطلق كل يوم ، هذه القوارب التي شهدت على نقل شباب وأطفال ورضع وأسر بكاملها آملين الالتحاق بالضفة الاخرى التي رأوا انها جنة ستؤويهم وتخلصهم مما هم فيه من أوضاعهم المعيشية المأساوية وما يعانون منه من ظروف سيئة وقاسية على جميع الاصعدة ، لكن الاسوأ ان العديد من هؤلاء لاقوا مصرعهم بين أمواج البحر وتحولت جثتهم إلى طعام للاسماك .
إنها معادلة صعبة فعلا أن ترى الانسان يغادر وطنه بهذه الطريقة دون التفكير في نتائجه ومخلفاتها وعواقب فعله ، إلا إذا قد أصبحت تمثل له وكأنه يعيش في جهنم التي يصلى نارها ويكويه لهيبها من كل جانب من جوانب الحياة ، فأصبح يرى أن ما يقوم هو بمثابة مخلص له من هذا الوضع البئيس عسى أن يعبر إلى الفردوس والنعيم المتمثلين في ضفة الاخرى التي يعتبرها المنقذ الوحيد من المعاناة التي لطالما انتظر فواتها وانتهاء صلاحيتها وتعويضها بما ينسيه مآسيها ومتاعبها وأحزانها التي تعددت صورها من بطالة وخيبة أمل في الدراسة المهترئة والتي بدأت الدولة في مصادرة حقوق أبناء الشعب في الاستفادة من خدمات التعليم العمومي بمواصفات مقبولة في حين أنها تشجع على التوجه نحو تطوير التعليم الخصوصي بحيث أطلقت له العنان ليأخذ الريادة بإمكانيات كبيرة مغرية وبرامج تبعد تماما عن مكونات المجتمع المغربي وعاداته وتقاليده ومعتقداته لطمس الهوية المغربية ، ناهيك عن الخدمات الصحية الصورية والمغيبة التي تقدمها هذه المؤسسات الصحية التي لم تعد تتكون إلا من الجدران الخاوية على عروشها ومن الادوية والعناصر البشرية غير الكافية من طواقم طبية وشبه طبية وغيرهم باستثناء حراس الأمن الخاص الذين أصبحوا يكرسون العنف بشتى أنواعه على المواطنين المرتفقين بهذه المؤسسات الصحية ويمارسون مهام ليست من اختصاصهم لتتحول المستشفيات إلى ثكنات عسكرية بأوامرهم اللامنتهية والتي تدفع بالمواطنين إلى المبيت في الشارع والتحاف قارعة الطريق في انتظار دورهم في الاستشفاء والولادة حيث يقضي بعضهم نحبه وتضع بعض النساء مولودهم على الرصيف في حالات يندى لها الجبين وبتدخل من بعض المواطنين والمارة المستنكرين لهذه الاوضاع اللاإنسانية والكارثية ، في حين أن الدولة تسير في تشجيع المستشفيات الخصوصية التي نمت كالفطر مجهزة بآخر الإمكانيات والآليات الطبية الحديثة والتي اصبحت تطلب أثمنة خيالية في التطبيب والعلاج مما يعد مستحيلا بالنسبة لنسبة كبيرة من المواطنين … وللحديث بقية …