نتيجة ابتزاز الغرب للدول العربية في ظل العولمة التجارية والاقتصادية …
جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … أصبح المواطنون اللبنانيون ببيروت ومناطق أخرى ، يعيشون حالات من الذعر والرعب بسبب تلقيهم مكالمات هاتفية عبر الهواتف الثابتة التي مصدرها الكيان الإسرائيلي ، وفق الوكالة الوطنية الرسمية للإعلام ، تطالب من خلالها المتلقين بإخلاء أماكن تواجدهم بسرعة ، متخذة ذلك في إطار الحرب النفسية التي تعتمدها إسرائيل .
كما أن مكتب وزير الاعلام زياد مكاري الذي كان من بين المتوصلين بنفس الرسالة التحذيرية والتهديدية ، قد أكد لوكالة فرانس برس تلقيه اتصالا تمّت خلاله تلاوة “رسالة مسجلة” تضمنت طلب إخلاء المبنى.
وكان الجيش الإسرائيلي دعا السكان في لبنان الى “الابتعاد” عن مواقع حزب الله، متخذة ذلك ذريعة ، والعقبى لبلد عربي آخر حين يحل وقته في مفكرة البرامج التي تضعها إسرائيل في خطتها الاستعمارية والإبادية .
ومعلوم ان إسرائيل قد انتقلت إلى نوع جديد من الهجوم عبر تفجير وسائل تستعمل في الاتصال ، باستهداف الأماكن التي تنوي تفجيرها ، مثلما حدث منذ حوالي أسبوع ، حيث تمكنت من قتل عدد من المواطنين اللبنانيين وإصابة عدد آخر بإصايات متفاوتة الخطورة بفضل هذا النوع الجديد من الأسلحة الخطيرة التي لم تخطر على بال أحد ، الأمر الذي جعلها اكثر فتكا وبطريقة مفاجئة ، ليجد المواطنون اللبنانيون أنفسهم محاصرين من كل جانب ومهددين في كل وقت وحين بالخطط الشريرة التي ينهجها الجيش الإسرائيلي في حق الشعب بطرق غير مشروعة دوليا وبحكم وقرار صريح لمحكمة العدل الدولية والذي قوبل بعدم الرضا من طرف الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية ، مما يوضح جليا مدى صورية هذه الهيئة القانونية وعدم جدواها أمام القوى العظمى حين تخالف قراراتها مصالح هذه الدول ومخططاتها الاستعمارية والاستبدادية ، لكن من جهة اخرى تكون قراراتها قوية وإلزاميتها على الدول العربية والدول الضعيفة بصفة عامة ، حتمية وذات مفعول كبير يؤكذ على أرض الواقع بالرغم من أنفها ،حين يتكالب عليها المتكالبون .
لكن تخاذل الشعوب العربية واعتمادها على مسؤولين لا شخصية لهم ولا يقدرون روح المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، وازدراءها للطاقات الفكرية المحلية ، وعدم الاعتماد عليها كطاقات بديلة عن خدمات الطاقات العدوة التي لا يمكن أن تقدمها هذه الأطراف المشكوك في أمرها وتعاونها وخدماتها المدسوسة بالسموم والمكائد والخبث الزائد عن اللزوم وتحقيقها في صورة ملاك ينطوي في داخله على شيطان مارد ، يجعل أوطاننا بكل ثقة ومباركة يصدقون ألاعيب من “يببع القرد ويسخر ممن اشتراه” على قول المثل العامي المغربي ، كذبة واضحة وضوح الشمس وقت الظهيرة ، تقبل عليها هذه الجهات ذات النيات السيئة وتجعلهم خاضعين لنفوذها ولا يسيرون إلا باوامرها وتعليماتها ، فيستفحل جبروتها ويقلص مساحة حريتنا والاعتماد على مؤهلاتنا ،فنبقى رهينين بمخططاتهم ، قاصرين خانعين لما تنطوي عليه مصالحهم وتابعين لأهدافهم الاستعمارية وإيديولوجياتهم الوهمية .
فحدث الانفجار الذي وقع مؤخرا بلبنان يفضح النيات المبيتة للكيان الصهيوني ، وغيره من القوى التي تسعى في الأرض فسادا ، من خلال الطرق الجديدة التي بدأت تسلكها في نشر الرعب بين المواطنين باستغلال وسائل الاتصال في تفجير الأماكن وقتل الابرياء ، مما يؤكد طريقتهم الجديدة الخسيسة في خلق الفتنة والرهبة في نفوس الناس ، وجعل الشكوك والوساوس تسيطر على عقولهم ، للاشتباه في صلاحية وسلامة كل الاجهزة المستوردة من إسرائيل او الدول الغربية الحليفه لها ، والمساندة لسياسة هذا الكيان الغاشم المبنية أفكاره التطرفية والنازية على الاحتلال والظلم والإبادة .
لهذا تعد بلداننا العربية مسؤولة عما تعيشه من تحقير ممنهج ومقصود في حقنا وحق دولنا وشعوبنا وامتنا ومؤسساتنا وقيمنا ومقدساتنا وأسسها ، حتى تبقى بلداننا مطأطئة الرأس ضعيفة الشأن سهلة المنال من طرف الدول القوية الاستعمارية والجشعة ، التي تجد في ثرواتنا الملاذ الحتمي لإقامة صناعاتها وتقوية ترساناتها العسكرية وتطوير أسلحتها وتحصين نفسها والرفع من شأنها ومكانتها الدبلوماسية والسياسية في المجتمع الدولي .
نعم ، تتحمل دولنا العربية كامل المسؤولية في السماح لهؤلاء باستغلالها حسب هواها والتلاعب بمصيرها ومصير أنظمتها وشعوبها بوضع مخططاتها والتدخل في شؤونها الداخلية ووضع برامج لا يمكن أن تسير إلا وفق اهدافها وإيديولوجياتها ومصالحها الخاصة .
فلماذا لا يبادر حكامنا العرب باتقاء كل هذا الجشع الأجنبي وتفادي كل ما يأتينا منه ، وذلك بوضع مخططات تسعى إلى خلق فرص اعتمادها على ثرواتها وطاقاتها المحلية سواء البشرية او الطبيعية المتوفرة لدينا وتحفيز كل ما هو واعد واستشراف مستقبل يؤكد ثقتنا في انفسنا ويمثل طموحاتنا وآمالنا ويزكي مصداقيتنا ويحافظ على كرامتنا ومكتسباتنا ، وذلك باتباع التفكير الاستراتيجي والاستشراف الذاتي والفعلي في الاعتماد على النفس والاهتمام بروح الاعتماد على الطاقات الخاصة لتفادي الانصياع الكلي للجهات المشكوك في أمرها هذه، حتى نتفادى السقوط في التبعية العمياء للآخر وحتى لا نعيش في مثل ما حدث في انفجارات لبنان التي تبين أن تقنيات خبيثة كانت قد تسببت في تلك الكارثة الإنسانية ، وما خفي من الاختراعات المماثلة والخبيثة قد يكون أعظم
ومن بين هذه الاهتمامات الملحة والواجب التأكيد عليها ، السير في امتلاك فهم قوي للتكنولوجيا الحديثة وكيف يمكن أن تؤثر على الصناعة وما يشمل الذكاء الاصطناعي كالبيانات الكبيرة، الحوسبة السحابية والتكنولوجيا المالية… وضرورة فهم كيفية استخدام هذه التكنولوجيات لتعزيز الأعمال حتى نتمكن من تحقيق ميزة تنافسية كبيرة تؤهلنا إلى التحكم في مكتسباتنا العلمية والعملية وتخلق لنا قوة لا يستهان بها وثقافة وازنة من الابتكار والتجربة تؤخذ كأساس دائم ورافعة يقتدى بها ويعتبر .
فما دامت التبعية الاقتصادية والصناعية المطلقة وشبه المطلقة ، خاصة للغرب ، لازالت تطرح نفسها بقوة على دولنا العربية ، فلا تنتظر اي استقلالية لهذه الدول العربية عن الغربية بالمعنى الصحيح ، وإنما ستبقى هذه الأخيرة تمارس الابتزاز على الأولى في ظل العولمة التجارية والاقتصادية او تحت وطأة الحاجة ، لمجاراة احتياجات الاقتناء لمنتجات العولمة التكنولوجية والعلمية ، التي غزت كل مجالات الصناعة وغيرها من الميادين العملية الضرورية التي يتوجب الحصول عليها حسب الحاجة ، وخاصة في المجال العسكري كالاسلحة مثلا ، بحيث تبقى الدول المستوردة لهذه الوسائل تخضع تحت رحمة البلد المصدر الذي يتحكم في أسباب وأساليب استعمالها مثلما حدث للجزائر التي اقتنت أسلحة فتاكة بأثمنة خيالية تعد بملايير الدولارات لتجد نفسها غير قادرة على التحكم في استعمالها المباشر إلا بترخيص من الاتحاد السوفياتي ، لتتحول هذه الصفقة إلى خردة عديمة الجدوى والفائدة والتي ذهبت أموالها مهب الرياح … والامثلة كثيرة ومن بينها ما تم ذكره سابقا بخصوص أجهزة الاتصال ، التي اقتنتها جهات بلبنان من ألمانيا ، لتفاجأ انها ملغومة وقابلة للانفجار عن بعد ، والتي وجهت فيها مبدئيا أصابع الاتهام إلى الكيان الصهيوني …
فمن يدري ماذا تخبئ لنا الايام القليلة القادمة من مواقف مماثلة . ناهيك عما تم زرعه من وسائل تجسس طالت العديد من الآليات والوسائل المستوردة من الغرب ، والتي يمكن حصر بعضها في الهواتف النقالة واجهزة التلفاز والحواسيب وغيرها … التي وجدت بها كاميرات عالية الدقة في تسجيل الصوت والصورة والنقل المباشر أيضا ، لتجعل شكوكنا حول مصداقيتها قاب قوسين أو أدنى ، من كل ما يتم استيراده من أجهزة إلكترونية وأخرى محتملة ، تنقل عنا كل ما يكشف عوراتنا ويفيد الآخر ويجعله سيدا علينا ويتحكم في إرادتنا ويحدد مصيرنا .
لهذا فلابد من اتخاذ قرار صائب وسريع بضرورة تأمين استقلاليتنا ، فيما يخص احتياجات الحاضر والاستعداد لأي مجهول يتوارى خلف كواليس المستقبل ، لأن الدول والأمم التي تريد ان تمتطي صهوة التقدم والازدهار والعظمة ، لابد لها أن تضمن لنفسها الاستقلالية وتتخطى الصعاب والاخطار بالتحسب لها قبل وقوعها … وللحديث بقية …